دستور مالي الجديد.. رهان التمرير وتحدي التوافق السياسي

أدلى الماليون اليوم بأصواتهم في استفتاء على مشروع دستوري مثير للجدل، في أول اقتراع منذ انقلاب 2020، الذي أطاح بنظام الرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا.

ويعتبر المجلس العسكري الحاكم في البلاد هذا الدستور أولوية في مشروع “إعادة تأسيس الجمهورية” الذي يرفع شعاره، لكنه يصطدم بمعارضة بعض الأحزاب والمنظمات، ما يجعل تمريره رهانا وتحديا لنظام العقيد عاصيمي غويتا.

ويأتي هذا الدستور الجديد، الذي يعتبر الرابع منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960، بجملة من الإصلاحات بينها التأكيد على أن الرئيس “لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يبقى في السلطة لأزيد من ولايتين”، مدة كل منهما 5 سنوات.

كما ينص الدستور كذلك على إلزام “رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وفي أجل لا يتجاوز 7 أيام، بتقديم تصريح مكتوب لرئيس محكمة الحسابات يتضمن ممتلكاته، ويخضع هذا التصريح للتحيين سنويا، ويتم إبلاغ الرأي العام بذلك”.
وبمجوب الدستور الجديد، سيصبح البرلمان المالي مكونا من غرفتين، مع تخويله إمكانية عزل رئيس الجمهورية في حالة “الخيانة العظمى”.

وفي خضم التوتر بين مالي وفرنسا، ألغى الدستور الجديد الطابع الوطني عن اللغة الفرنسية، ورسم 13 لغة محلية باتت جميعها لغات وطنية، فيما بقيت الفرنسية لغة للإدارة فقط.

كما أن الدستور كان حازما تجاه “المثلية الجنسية”، حيث أكد أن “الزواج” لا يكون إلا وفقط “بين رجل وامرأة”، وفي ذلك رسالة صريحة للغرب ومنظماته الحقوقية.

وينص الدستور على “علمانية” مالي، كما يحظر الترشح للرئاسة على مزدوجي الجنسية، وهما مسألتان أثارتا رفضا واسعا من طرف بعض القوى والمنظمات المعارضة، وخلقتا انقساما واضحا في المشهد السياسي في البلاد.

فقد رأت بعض القوى والمنظمات بينها “حركة 5 يونيو” – التي يعتبر الإمام محمود ديكو أحد قادتها البارزين، وكانت قد لعبت دورا كبيرا في الإطاحة بنظام كيتا – أن “العلمانية يراد أن يداس باسمها على القرآن” وأن المجموعة العسكرية الحاكمة قد “صادرت ثورة الشعب” في 2020.

وتشترك مع حركة 5 يونيو في رفض العلمانية رابطة الأئمة والعلماء من أجل التضامن الإسلامي في مالي، والتي تحظى بثقة واسعة في المجتمع المالي ذي الأغلبية المسلمة بنسبة كبيرة.

وفيما تعارض بعض الأحزاب السياسية عدم السماح بترشح مزدوجي الجنسية للرئاسة، تؤيد المشروع الدستوري المكون من 191 مادة، عدة أحزاب أخرى، بينها التحالف من أجل الديمقراطية بمالي، والتجمع من أجل مالي، والاتحاد المالي للتجمع الديمقراطي الإفريقي، وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية والديمقراطية المعارض.

ويشكل استفتاء 18 يونيو اختبارا لرئاسيات 2024، حيث سيعكس بشكل كبير وزن مختلف الأطراف داخل الساحة السياسية، فمن جهة سيعرف المجلس العسكري الانتقالي حجم شعبيته، قبل أن يقرر رئيسه عاصيمي غويتا ما إذا كان سيترشح للرئاسة، أو يدعم مرشحا من خارج دائرة العسكر.

ومن جهة أخرى، ستعرف المعارضة كذلك من خلال دعوة عدة أحزاب ومنظمات منها للتصويت ب”لا” على الدستور مدى شعبيتها، بعد 3 سنوات من تولي العسكريين السلطة.

ولكن ما قبل الانتخابات الرئاسية، قد تشهد فيه الساحة السياسية المالية تجاذبا كبيرا، بفعل الموقف من الدستور، وذلك بعد سنوات من الهدوء السياسي، لعبت فيه جائحة كوفيد-19 والعقوبات التي فرضت على البلاد وحكامها من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، دورا كبيرا.

وقد يزيد من احتقان الوضع في مالي، الانسحاب المتوقع للقوات الأممية من البلاد، بعدما دعتها السلطات الانتقالية إلى ذلك معتبرة أنها “باتت جزءا من المشكل” ما سيعمق انهيار الاستقرار والأمن، وقد يدفع لامتعاض شعبي واسع في شمال ووسط البلاد.

محفوظ ولد السالك
كاتب صحفي متخصص في الشأن الإفريقي