خطر الغش وحرمة التزوير الانتخابي

الغش من الذنوب الكبيرة، والآثام العظيمة، ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في النهي عنه، والتحذير منه، والتشديد فيه، كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا).

والغش يشمل التدليس، والخديعة، وكتمان العيب، ومنعت الشريعة منه؛ لأن الدين مبني على النصيحة، التي هي إرادة الخير للمنصوح له، لقوله صلى الله عليه وسلم، فيما روى البخاري ومسلم، عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

ومما يؤسف له اليوم، تفشي ظاهرة الغش، والخداع؛ فتجد أن الغش قد طال كل شيء؛ بغية الوصول إلى المناصب، عن طريق الكذب والاحتيال، والسبب الحقيقي في ذلك، هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى، وإيثار العاجلة الفانية على الآخرة الباقية، والمجتمع الذي ينتشر فيه الغش؛ مجتمع سقطت فيه قيم كثيرة أهمها: العدالة، والصدق، واحترام العمل الجاد...

فأصبح لا يستنكر مثل هذه الظواهر الشنيعة؛ بل يراها بسيطة، لا تستدعي القلق والاستنفار، وبهذا يهيئ قواعد أخلاقية فاسدة.

فوجب على المسلم أن يتقي الله تعالى، وأن يستشعر أن ما سيجنيه من الغش، مهما بلغ فهو زائل، وسيبقى بعده سخط الله، وعذاب النار؛ لأن الغش يترتب عليه شر كثير.

  1. ففيه تضييع للعدل، والإنصاف، وإشاعة للظلم، وإعانة على الحرام، وخيانة للمجتمع
  2. وفيه مفسدة للأخلاق، ومضرة للأمة في نهضتها الثقافية، وهبوط في مستوى التعليم، وضعف في تحمل المسؤولية.
  3. وفيه هدم لروح الجد، والاجتهاد، والتنافس المحمود.

وكلما عظمت مفسدة الغش عظم إثمه، وإن من أعظم أنواع الغش وأشدها جرما؛ تزوير الانتخابات؛ لأنه اغتصاب لحقوق الشعب، وتقييد لنهضة الأمة، وتعطيل لقدرات المجتمع، وإعطاء الحق لغير مستحقه، إلى آخر ذلك من الجرائم؛ التي يرتكبها كل من غش الأمة، أو ساعد على غشها،

فتزوير الانتخابات؛ منكر عظيم، والسكوت عنه أشنع، وقد ذم الله تعالى من ركن إلى ظلم الظالمين بقوله سبحانه: {وَلَا تَرۡكَنُوۤا۟ إِلَى ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ } [سُورَةُ هُودٍ: ١١٣]

وهذا ينطبق على ما نحن بصدده من مناسبة هذه الفرصة الانتخابية، فيجب أن ندرك جميعا أننا هنا إزاء واجبين:

الواجب الأول:

أن يدرك المسلم أنه جزء من واجب الإصلاح المنشود، وأن هذا الصوت الذي أتيح له أمانة، سوف يسأله الله تعالى عنها يوم القيامة.

الواجب الثاني:

تنصيب الأكفإ، واختيار الأولى، والأصلح للبلاد والعباد، بعيدا عن كل الاعتبارات الحزبية، أو العنصرية، أو الشخصية؛ التي تعني بيع الأمانة وضياعها.

والسعيُ إلى تنصيب الأمثل واجب شرعي، لا يجوز التفريط فيه قدر المستطاع؛ فاختيار الأكفإ، فيه حفظ لحقوق الناس، وأداء للأمانات، وقد أمر الله سبحانه أن تؤدى الأمانات إلى أهلها؛ بأن يجعل فيها الأكفاء لها، وإن في تضييع ذلك مفاسد عظيمة، على الأفراد والمجتمع،

ولقد عانى كثير من المجتمعات والشعوب؛ بسبب تولي من ليس بأهل في هذه المسؤولية تحديدا.

فعليكم جميعا أن تكونوا يقظين واعين، ونوصيكم بالحذر من الغش، ولا تسمحوا لغيركم به، فهو من أعظم الآفات التي تصاب بها الأمم، فتقوض دعائمها، وتهدم بنيانها، وتزرع الضغائن بين أبنائها، وتؤخرها عن ركب الحضارة، كما قال الشاعر:

يا آل عَمْرو أَمِيتُوا الضِّغْنَ بَيْنَكُمُ *** إنَّ الضَّغائِنَ كَسْرٌ ليس يَنْجَبِرُ

قد كانَ في آلِ مَرْوانٍ لكُمْ عِبَرٌ  *** إذا هُمْ مُلُوكٌ وإذ ما مِثْلَهُمْ بَشَرُ

تَحاسَدُوا بَيْنَهُمْ بالغِشِّ فاخْتُرِمُوا *** فما تُحَسُّ لَهُمْ عَيْنُ ولا أَثَرُ

فكونوا أهل نصح وصدق وأمانة.

ونسأله سبحانه أن يختارنا وأن يهدينا سبل الرشاد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عبد الله المختار السالم بله