إسلك ولد هنون: الفساد ما زال موجودا في مفاصل الإدارة كما شهد بذلك رئيس الجمهورية (مقابلة).

المعدن الإخباري ـ مواكبة منه لما تشهده الساحة الوطنية من أحداث، وسعيا منه إلى إطلاع قرائه الكرام على آخر المستجدات، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، أجرى المعدن الإخباري مقابلة مع السياسي والمترشح السابق لمنصب نائب مقاطعة أوجفت عن حزب تواصل، السيد إسلك ولد هنون، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول تقييمه لأداء الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال السنوات الثلاثة المنصرمة من مأموريته، وعلاقة نظامه بالمعارضة من بين مواضيع أخرى.

ـ المعدن الإخباري: مضت حتى الآن ثلاثة سنوات على حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ما هو تقييمكم لأدائه خلال هذه الفترة؟

ـ إسلك ولد هنون: يبدو لي أن السيد الرئيس جاء في فترة تتسم بالصعوبة، حيث ضربت جائحة كورونا كل دول العالم، وكانت الظروف صعبة للغاية، أدت هذه الجائحة إلى شلل وكساد للإقتصاد الوطني، حيث تراجعت أسعار الحديد، وحصل شح في المحروقات أدى إلى ارتفاع الأسعار، فلا بد من أخذ هذه المعطيات بعين الإعتبار كي يمكن تقييم هذه الفترة بواقعية.

هذا بالإضافة إلى وضعية الفساد القائمة أصلا، حيث بيع السمك وبيعت المعادن، وتمت عرقلة التجارة من خلال إغلاق معابرها بيننا والصحراء الغربية سنة 2010.

ويحسب للرجل أنه تبنى نهج المصالحة السياسية مع أحزاب المعارضة من أجل تهدئة الشارع، كما أن الحرب في أوكرانيا ألقت بظلالها وانعكاساتها السلبية على الإقتصاد الوطني، مما كان له بالغ التأثير على تنفيذ البرامج الإنمائية.

فيما يخص أداء الرجل أخذا في الإعتبار لهذه المعوقات، لا تزال تصاحبه جملة من الاختلالات، من بينها على سبيل المثال لا الحصر سوء أداء الإدارة، الفساد ما زال موجودا في مفاصل الإدارة، كما شهد الرئيس نفسه بذلك في خطابه بمناسبة تخرج دفعة المدرسة الوطنية للإدارة 24 مارس 2022.

ويمكن أن نعطي مثالا بسيطا في هذا الموضوع، حاكم مركز إداري يتم تعيينه رئيسا لهذا المركز ويبقى مقيما بشكل دائم في عاصمة تلك المقاطعة التابع لها على مسافة 78 كم من المركز المذكور.

ورغم ندائه المتكرر بتقريب الإدارة من المواطن، لا تزال هذه الإدارة أبعد ما يكون عن المواطن، فلا بد من إصلاح جذري للإدارة ومعالجة الاختلالات الموجودة في أدائها.

ويمكن التوصل إلى هذا الهدف من خلال ضخ دماء شبابية جديدة في الإدارة، ولا بد من عقبة توضع أمام الإداريين وإصلاح قانون التسيير وتفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة، وسن قانون يلزم الإداري بحسن تسيير وظيفته.

وفي الجانب السياسي لا بد من رقابة برلمانية، متمثلة في نواب وطنيين أوفياء لقواعدهم الانتخابية، هذا مما يسهل الرقابة ويجعل المواطن شريك في التسيير ويقرب الإدارة منه، بالإضافة إلى انتخاب مجالس بلدية قادرة على خلق مشاريع تنموية في بلدياتهم، من أجل تثبيت المواطنين عن الهجرة.

لابد أيضا من إعادة النظر في المجالس الجهوية مع عدم جدوائيتهم، والعودة إلى برلمان مكتمل بغرفتيه، كي يتم التوازن في سن القوانين والمصادقة على المشاريع.

ولا بد كذلك من جعل مؤسستي الحماية والوصاية تلعبان دوريهما بكل شرف ونزاهة من أجل استقرار البلد.

ـ المعدن الإخباري: ذكرتم في جواب السؤال الأول أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني تبنى بعد تنصيبه نهج المصالحة مع أحزاب المعارضة، هل مازالت هذه المصالحة قائمة؟

ـ إسلك ولد هنون: إلى حد الساعة لا تزال قائمة، لا المعارضة تملصت منها ولا النظام تخلى عنها.

ـ المعد الإخباري: طالبت المعارضة بتنظيم حوار بينها والنظام، وتم قبول ذلك من طرف النظام بعد تمنع، وفجأة أوقفت الحكومة من جانب واحد هذا التشاور، ما هي الأسباب وكيف تعاطت المعارضة مع ذلك؟

ـ إسلك ولد هنون: الحوار مطلب أجمعت عليه أحزاب المعارضة، وهو مطلب وطني ملح، والمعارضة تتبنى كل ما هو في صالح الوطن والمواطن، ولا نقبل ولا نفهم ولا نتفهم توقيفه، وأعتقد أن الجواب على هذا السؤال أدرى به النظام.

ـ المعدن الإخباري: يرى بعض المراقبين أن النظام استدرج المعارضة حتى تخلت عن دورها وفقدت مصداقيتها لدى المواطن، ثم تخلى عنها، كيف ترد على من يقول بهذا الطرح؟

ـ إسلك ولد هنون: أولا يجب أن يفهم الجميع أنني أتحدث هنا باسمي الشخصي وليس نيابة عن المعارضة، وفيما يخص السؤال أعتقد أن حاجة الوطن إلى التهدئة هي التي جعلت المعارضة تسكت لبعض الوقت حفاظا على السكينة الوطنية والاستقرار السياسي، ونظرا للخطابات المتطرفة التي تصدر أحيانا عن بعض السياسيين والحقوقيين، بالإضافة إلى ملف الفساد وإرهاصاته، وتشنج المشمولين فيه. أما فيما يخص تخلي النظام عن المعارضة، فالعلاقة بين النظام والمعارضة تبقى دائما علاقة نظام ومعارضة.

ـ المعدن الإخباري: ما هو تقييمكم لتعامل النظام مع ملف الفساد؟

ـ إسلك ولد هنون: يحسب للنظام أنه فتح المجال أمام الهيئات الرقابية لإجراء التحقيق، حتى تمت إماطة اللثام عن الكثير من الاختلالات والتجاوزات وتعرية كثير من المفسدين، وأصبح لدينا ملفا كبيرا لأول مرة في تاريخ البلد يدعى ملف الفساد، وهذا شيء إيجابي إلى أقصى درجة، لأنه سيشكل هاجس خوف لدى المسيرين في المستقبل من المحاسبة.

أما على مستوى تنفيذ نتائج ما توصل إليه التحقيق، فهناك تقصير وغموض كبيرين، يعني أن هناك ضبابية جعلت المواطن يجهل حقيقة ملف الفساد إلى حد الآن، ولا يزال المفسدون يتواجدون في مفاصل الإدارة.

ويمكن أن نعطي هنا مثالا ملموسا على الفساد الموجود في الإدارة، هناك تمويل قدره ثلاثة عشر مليونا (13000000) أوقية قديمة، موجهة إلى قرية انتيركنت في آدرار من طرف القطب التنموي التابع لمفوضية حقوق الإنسان، ولم يصل بشكل فعلي إلى هذه القرية الفقيرة من هذا المبلغ سوى 2800000 أوقية قديمة.

لا يزال الفساد قائما في جميع القطاعات، الصيدليات مليئة بالأدوية المزورة، الطبيب لا يداوي إلا في عيادته الخاصة، لا ينبغي أن يفتح صيدلية إلا طبيب متقاعد، المعلم يهجر المدارس العمومية ويركز وقته في المدارس الخصوصية، المتاجرة بالبشر من خلال الشرائك التي تلعب دور الوسيط بين العامل والمؤسسة، حيث ينبغي للمؤسسة أن تكتتب الأشخاص بصفة مباشرة مرورا بمفتشيات الشغل.

كما أن الاكتتاب في القاع العام وشبه العام حكر على النافذين، ويبقى الفقراء أهل الكفاءات محرومين من حقوقهم في الاكتتاب، ويبقى الشعب محروما من حقه في خدمة جيدة نظرا لعدم كفاءة من يقوم على تقديمها، وهذا للأسف هو حال جميع قطاعات الدولة، ضف إلى ذلك كثرة الشهادات المزورة لدى أصحاب النفوذ.

فلا بد من اعتماد آلية شفافة للاكتتاب والتحقيق في مصداقية ما هو موجود من الشهادات لدى القائمين على الشأن العام.

هناك مظهر آخر من الفساد، يتمثل في نقل الناخبين من مكان إلى مكان آخر، لترجيح كفة مترشح يمتلك الوسائل، وبالتالي يكون نجاح هذا المترشح لا يعبر عن إرادة ساكنة الدائرة الانتخابية محل التنافس السياسي، وهذا ظلم بين خصوصا لسكان الريف الذين يعانون الفقر والتهميش، كما أنه كذب وزور وبهتان، ويشكل مصادرة لآراء الناس ودوسا على كرامتهم وتضييعا لحقوق الضعفاء مقابل التمكين للقوي الذي يتاجر بأصواتهم في سوق السياسة، وتقويضا لمشاريع الدولة الرامية إلى إسعاد المواطن، ينبغي أن توضع آلية لمنع هذا النوع من الفساد السياسي المضر بالتنمية المحلية.

ـ المعدن الإخباري: السيد إسلك قبل السياسة، أنت رجل من أهل الأدب الحساني، ما هو دور الأدب في الإصلاح المنشود؟

ـ إسلك ولد هنون: من أغراض الأدب التوجيه والنقد، وله دور كبير في الحث على الوحدة وترسيخ القيم الحميدة وهي مرتكزات ضرورية للإصلاح، ويحفظ الذاكرة من خلال نظمه للتاريخ والأحداث المهمة من أجل الاستفادة منها في الحاضر والمستقبل.

ـ المعدن الإخباري: هل من كلمة أخيرة؟

ـ إسلك ولد هنون: نشكر جميع الشعب الموريتاني ونحثه على التآخي والابتعاد عن الرذيلة ونطلب من القائمين على الشأن العام الوطني أن يجعلوا المواطن في وضعية مقبولة من العيش الكريم وخاصة الفئات الهشة، من متقاعدين وأرامل وفقراء الأرياف، ودمج فئات الشباب والنساء في بناء الدولة من خلال الوظائف الإدارية والمناصب الانتخابية، وحل مشكلة الأسعار المرتفعة، وتقوية العملة الوطنية من أجل رفع القوة الشرائية لدى المواطن حتى يتمكن من تحقيق عيش كريم.

ـ المعدن الإخباري: شكرا لكم