مقابلة هامة مع الخبير حمود ولد إكليد حول واقع التنمية في موريتانيا

المعدن الإخباري ـ سعيا منه إلى مواكبة ما يجري على الساحة الوطنية، ومن أجل إنارة الرأي العام الوطني وإطلاع قرائه الكرام على تفاصيل الأحداث والمستجدات، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، يلتقي المعدن الإخباري اليوم بالسيد حمود ولد إكليد، خبير  في مجال التنمية المستدامة، فهو أحد الفاعلين الموريتانيين البارزين في مجال التنمية، واستشاري معتمد لدى الكثير من الهيئات المحلية والدولية، وهو ممن سبروا أغوار هذا المجال الحيوي، وفاعل وناشط وله رؤية متبصرة في مجال التنمية بصفة عامة.
نحاوره اليوم لنستجلي من خلاله أهم تعريفات ومحددات التنمية المستدامة، وكذلك أهم معوقات التنمية في موريتانيا، وأهم المقترحات والتصورات العلمية التي يعتقد الخبير في مجال التنمية حمود أنها يمكن أن تمثل حلا لما يعانيه البلد من فقر وتخلف.
ـ المعدن الإخباري: ما تقويمكم لواقع التنمية في موريتانيا؟
ـ حمود ولد إكليد: واقع التنمية في موريتانيا واقع صعب، نظرا لفتوة الدولة و حداثة عهدها بالتنمية التي تعتبر عملية تراكمية تحتاج لفترة معينة حتى يتم الوصول إلى أهدافها، فأهم هدف للتنمية هو  تغيير الواقع من السيء إلى الأحسن أو الأفضل بالنسبة للإنسان، الذي هو الغاية الأولى و الأخيرة من أي تنمية.
و بما أن موريتانيا دولة ذات مصادر طبيعية غنية، متنوعة حد المعجزة فإن توزيعها على أرض الواقع يظهر من الفقر و الحرمان حد التشفي، لقد توزعت المصادر الطبيعية في موريتانيا توزيعا رائعا بل  مبهرا،  فالشرق الموريتاني غني بالثروة الحيوانية، والجنوب بالثروة المائية والغرب بالثروة السمكية و الشمال بالثروة المعدنية، مع أن بعض الجهات  تتميز بكل ذلك في آن واحد، و مع كل هذا تبقى موريتانيا ذات تنمية ضعيفة، فالبنى التحتية متهالكة و الموارد غير معبأة بما فيه الكفاية، والبطالة والفقر ميزة الواقع الاقتصادي و الاجتماعي.
الواقع المرير في البلاد يوضح ذلك و خاصة ظروف الأرياف التي تتميز بالهشاشة وفقدان الدخل و انعدام سبل العيش الكريم.
صحيح أن مواردنا الطبيعية كثيرة و فرص الاستثمار تزداد يوما بعد يوم لكنها لا تصل إلى الهدف المنشود من السياسة  التنميوية للبلاد،
ـ المعدن الإخباري: ما الفرق بين مفهوم التنمية والنمو؟
ـ حمود ولد إكليد: التنمية عملية تطور تراكمية شاملة أو جزئية تتصف بالاستمرار على طول الوقت، بحيث تبدل الواقع الموجود من حالة سئية إلى أخري أفضل أو من وضعية ضعيفة إلى أخري جيدة، وهدفها الرئيسي الإنسان والتحسين من أحواله المعيشية والاجتماعية والثقافية وغير ذلك انطلاقا من احتياجاته، فهو الغاية المقصودة من التنمية أولا وأخيرا ، فغالبا ما يكون ذلك من خلال تنفيذ مخطط تنموي ذي أهداف  متوسطة أو بعيدة المدى، تتحسن فيها الظروف المعيشية و المكانة الثقافية للسكان، وتتخذ التنمية عدة أنواع، كالتنمية الصناعية أو الزراعية أو السياحية.
أما النمو و أعتقد بأنك تقصد هنا  النمو الاقتصادي، لأن كلمة النمو لديها عدة مفاهيم، و عليه فإن النمو الاقتصادي : عبارة عن الزيادة في الدخل الحقيقي للإنسان خلال فترة معينة تتراوح ما بين 25 إلى 30 سنة، بحيث تكون هذه الزيادة أكبر من النمو السكاني، و يتم حسابه عدديا  دائما من خلال =  الدخل القومي مقسوما على عدد السكان.
إذن الفرق هو أن التنمية طويلة المدى و متشعبة المجالات أما النمو فهو محدود المدة أي فترة قصيرة مقارنة بفترة التنمية.
ـ المعدن الإخباري: ما هي أهم البرامج التنموية التي اعتمدتها موريتانيا خلال بحثها الدائب عن تحقيق التنمية؟
ـ حمود ولد إكليد: لقد اعتمدت موريتانيا كغيرها من الدول الفقيرة  على التنمية التي يقودها صندوق النقد و البنك الدوليين، بحيث أن أول قرض تأخذه موريتانيا كان 60 مليون دولار من اجل شركة ميفرما، وكان ذلك في الأعوام الأولى للإستقلال وقد ساعد المنجم الجديد في التمدد.
 تتسم  قروض هاتين المؤسستين الدوليتين بشروط قوية، تتعلق بالعملة و المشاكل الهكلية للتنمية في البلاد، بحيث يتم التدخل في الانفاق العام و توجيهه حسب ما تراه هاتان المؤسستان كل حسب تخصصه، فالصندوق يعتبر مؤسسة للدراسة و البنك مؤسسة للتمويل، وإن كانا يتبادلان الأدوار في بعض الأحيان فيما يخص الدراسة و التمويل.
من جهة أخري تعتمد موريتانيا على قروض كثيرة من الصناديق العربية و الافريقية و الاسلامية، بحيث أنها توفر هي الأخري مداخيل كثيرة لمشاريع هيكلية تمس حياة المواطنين.
بالاضافة إلى الهبات والمساعدات التي تدخل هي الأخرى في مجال التنمية، بحيث أنها تخلق نوعا من الدخول للناس الموجة إليهم.
و عليه تكون موريتانيا قد نفذت مفهوم الرأس مالية التي اعتمدت على أشكال متعددة من التنمية و مقارباتها، كالتنمية التشاركية والقاعدية والمندمجة والبشرية، حتي وصلت إلي مفهوم التنمية المستدامة الذي يعتبر أساس الفكر التنموي الحالي.
ـ المعد الإخباري: نريد من سيادتكم تبسيطا لاستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك (SCAPP)؟
ـ حمود ولد إكليد: تعتبر استراتيجية النمو المتسارع عملية تشاركية انطلقت منذ عام 2016 حتي 2030 و بالتالي تشكل رؤية تنموية رسمتها الدولة بالتنسيق مع الشركاء في مجال التنمية لاستبدال استراتيجية محاربة الفقر التي كانت سائدة من العام 2000 حتي 2015.
إن هذه الاستراتجية تقدم تشخيصا مفصلا  للوضعية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد بعد تشاور واسع مع الممولين الماليين والفنيين والمجتمع المدني و السياسيين وبعض الكفاءات الموجودة في الخارج والمهتمين بالمجال التنموي في البلاد، خاصة أن وثيقتها تمت المصادقة عليها من لجنة وزارية مشتركة لمكافحة الفقر في العام 2017.  
تعتمد هذه الرؤية على ثلاثة مرتكزات استراتيجية هي النمو، خلق رأس المال البشري والحكم الرشيد، وإذا لم تخني الذاكرة فقد تم رصد عشرة مليارات ونصف دولار من أجل تنفيذ هذه الرؤية أو الاستراتيجية وبالتالي يحسب فيها ما تم انفاقه منذ انطلاقتها وتعئبة ما سيكون في المستقبل. هذا بكل أشكال الاختصار. 
ـ المعدن الإخباري: ما ذا تحقق في موريتانيا من النمو المتسارع والرفاه المشترك؟
ـ حمود ولد إكليد: انطلاقا مما أوردته في السؤال السابق، فلا يمكن أن تحسب ما تحقق من استراتيجية  النمو المتسارع وما تبقى  بالتدقيق، فكل المشاريع التي تم تنفيذها منذ 2016 إلى الآن تحسب من القيمة التي تم تخصيصها من مبلغ العشر مليارات دولار التي تمول النمو المتسارع، ففي بعض إحصائيات 2017 قالت الحكومة إن هناك 3 مليار دولار موجودة  تم حسابها في الخطة فيما يتم البحث عن تعبئة 5 مليارات دولار آنذاك، بالإضافة إلى 2 مليار دولار ستكون معبأة ما بين القطاع العام و الخاص.
و بالتالي يكون من الصعوبة معرفة ما تحقق و ما تبقى، فمثلا طريق أطار شنقيط وأطار ودان تدخل من ضمنها و لم يتم انطلاقهما حتي الآن، وكهرباء ازويرات انواكشوط التي تسير علي قدم و ساق وغيرهم من المشاريع في البرنامج الذي طرحه الرئيس قبل انتخابه. 
وعليه تكون محفظة المشاريع التي تمت تعبئتها ماليا و تنفيذها على أرض الواقع من ضمن ما تحقق من هذه الاستراتيجية التي تمتد حتي أفق 2030. 
ـ المعدن الإخباري: تعمل موريتانيا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالشراكة مع 17 هيئة تنموية دولية، بيد أن تلك الأهداف لم تتحقق بعد، أين يكمن الخلل في نظركم؟
ـ حمود ولد إكليد: لا أستطيع أن أجيبكم بدقة على السؤال، لكنني أعتقد أن الفساد بجميع أشكاله المالي والاداري.. هو الذي يضعف كل شيء ويوصله إلى طريق مسدود.
 هنا أتذكر مديونية موريتانيا التي وصلت إلى 5 مليارات دولار وكيف أنها تصل إلى نسبة 80 % من الناتج المحلي الخام  PIB ومع ذلك البنى التحتية ضعيفة، والمؤشرات الاقتصادية هي الأضعف علي مستوى القارة، مما يوحي بأن الشراكة مع الممولين قد لا تعطي دفعا حقيقيا للاقتصاد الوطني، ما لم تكن هناك رقابة قوية على المسؤولين المعنيين بتنفيذ هذه المشاريع. 

لقد أهدرت موريتانيا فرصة إعفاءها من الديون في العام 2006 ورجعت حليمة إلى عادتها القديمة، ديون متراكمة بطريقة تجعل الاقتصاد يبقى دائما يعاني وإن كان إعفاء الكويت لديونها وجعل رأس مال الدين الأساسي إستثمارات في موريتانيا خفف من وطأة هذه الديون.
لننظر إلى قضية النفط و خاصة بئر شنقيط الذي بدأ في العام 2000 وانتهى في العام 2018 ومع ذلك لم يكن هناك أثر  يذكر للنفط الموريتاني على حياة المواطن البسيط. 
لننظر كذلك إلى المشاريع التي يفتتح رئيس الجمهورية، وهو أعلى سلطة في البلاد ومع ذلك تتعثر كجسر الحي الساكن أو جسر روصو و غير ذلك من المشاريع التي تعتمدها الحكومة، ولا تراقب أرباب العمل المنفذين لها بطريقة صارمة فيضيع المال والوقت، الفريق الذي يحيط برئيس الجمهورية هو من يتحمل المسؤولية في النهاية لهكذا ضياع.
لا بد من الصرامة والمحاسبة والشخص المناسب في المكان المناسب، حتى يتم تحقيق الأهداف المنشودة من التنمية المستدامة، بالإضافة إلى تكوين لجان فنية نزيهة ذات صلاحيات واسعة لكل مشروع أو قطاع وقد لا تكون مجربة جدا في الحقل، لكنها لم يسجل عليها فساد، لأن التجربة والمهنية مع  تاريخ في الفساد تضييع للمجهود التنموي و طرد للكفاءات النزيهة في الدولة و إهدار للمال العام. 
ـ المعدن الإخباري: ما ذا تقترحون من أجل تحقيق تنمية مستدامة في موريتانيا؟
ـ حمود ولد إكليد:  في عالم اليوم الاقتراحات لا تنقص ما ينقص هو التنفيذ الصارم والوصول إلى نتيجة، فالتنمية المستدامة تعني فيما تعني تلبية حاجيات الأجيال الحالية دون إهمال حاجيات الاجيال القادمة  بالإرتكاز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وبالتالي لو تم تطبيق رؤية النمو المتسارع و الرفاه المشترك لتمت تنمية مستدامة.
ـ المعدن الإخباري: هل من كلمة أخيرة؟
ـ حمود ولد إكليد: أشكر لكم هذا البحث الدائم عن المعلومات ونشرها للجمهور من خلال موقعكم، وإن كانت لي كلمة في هذا المجال فإنني أوصيكم و أوصي نفسي بتقوي الله عز وجل  وعدم التفريط في أي شأن عام لهذا الوطن، فالعالم يمر بوضعية صعبة فالدول أصبحت تنهار بين عشية و ضحاها على الرغم من قوتها الإقتصادية وفترتها التاريخية التي قضت:  أزمة لبنان الآن وتونس امام اعيننا. 
لقد أصبح العالم أكثر وحشية وأقل إنسانية من قبل، ومن لم يحافظ على بلاده لن يحافظ له آخر عليها سواء كان مؤسسة دولية او ممول او شقيق. 
المعدن الإخباري: شكرا لكم