حزب تواصل.. انسحابات متتالية وحديث عن تأسيس حزب إسلامي جديد بتوجه مختلف

يشهد حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” المعارض ذو المرجعية الإسلامية، منذ أواخر سنة 2019 انسحابات متواصلة، شملت شخصيات قيادية بالحزب والتيار الإسلامي في موريتانيا بصفة عامة، وزادت شدة وطأتها خلال الأشهر الماضية.

وفي آخر تطور لوضعية الانسحابات المتتالية التي يعيشها الحزب المعارض والمحسوب على “إخوان” موريتانيا؛ أعلن النائب السابق والقيادي في الحزب الصوفي ولد الشيباني، يوم الثلاثاء استقالته رسميا من جميع هيئات حزب تواصل.

وقال ولد الشيباني في رسالة استقالة وجهها إلى رئيس حزب تواصل توصلت مدار بنسخة منها، إن استقالته تأتي “نظرا لاستمرار الوضع الذي يعيشه الحزب منذ فترة، والذي أثر سلبا على أدائه، وبات بفعل تأثيره يبتعد يوما بعد يوم من إمكانية تحقيق الأهداف التي سعينا لها من خلاله”.

بداية العاصفة

وبالعودة إلى تاريخ الحزب ومحاولة تلمس بدايات عاصفة الانسحاب الأقوى من نوعها منذ تأسيس الحزب الإخواني والتي مازالت تعصف به، يمكن تحديد عام 2019 كبداية فعلية لسلسلة استقالات ومغاضبات كثيرة شملت شخصيات من الصف الأول والثاني، وذلك ردا على الدفع بمرشح للرئاسيات من خارج الحزب وهو الوزير الأول الأسبق سيدي محمد ولد بوبكر، لمنافسة الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؛ حيث انسحب على خلفية التجاذبات حول ترشيح ولد بوبكر عدد من القيادات بزعامة الشيخ السابق عمر الفتح، الذي أسس فيما بعد تيارا سياسيا باسم “راشدون” ضم إلى جانبه عددا كبيرا من المنسحبين من تواصل.

بعد ذلك تتالت الخلافات حول خيارات الحزب، لتخرج من دائرة التداول الداخلي، إلى أروقة الفيسبوك الموريتاني، وتصبح مسألة رأي عام، وقد قاد الحملة الافتراضية المتمردة على خيارات الحزب، رئيسه الأسبق محمد جميل منصور.

جميل منصور خارج أسوار حزب تواصل

لم يخف على أي متتبع لخرجات وتدوينات رئيس حزب تواصل الأسبق محمد جميل منصور، أن العلاقة بينه وقادة تواصل في الوقت الراهن، وصلت إلى طريق مسدود خصوصا بعد امتناعه من الانصياع لطلب قادة الحزب مرارا بالالتزام بأساليب النقد الحزبي التقليدي بعيدا عن صفحات العالم الافتراضي، وبعد تناقض تصريحاته مع مواقف سياسية صريحة للحزب خصوصا فيما يتعلق بتقييم المرحلة المنصرمة من مأمورية ولد الغزواني، وكذا الموقف من الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وفي بداية شهر أغسطس الماضي، قرر الرئيس الأسبق لحزب تواصل جميع منصور، وضع حد لضبابية علاقته بتواصل، معلنا استقالته من الحزب، بعد أن قاده لمأموريتين، وعمل في مجلس شوراه لمأمورية أخرى.

وقال ولد منصور في نص رسالة استقالته “ترددت في هذا القرار لشدة ثقله على النفس، ولكني توكلت على الله وأقدمت، ولعل السبب الرئيسي في هذا التردد هو العلاقة التي أكرمني الله بها مع إخوة أفاضل وأخوات فضليات طيلة مسار حزبي مبارك أخذ مني سياسيا وذهنيا وبدنيا ما لست عليه بنادم، بل به من المعتزين، وقد واجهت أخيرا في هذا المسار ما استحق مني توقفا وتفكيرا”.

وتابع ولد منصور “كانت المحطة الأولى في مسار التوقف هي المؤتمر الرابع المنعقد ديسمبر 2022 والذي كان منتظرا منه أن يكون موعدا لتصحيح الاختلالات والانطلاق بالحزب نحو آفاق أرحب، (..) وللأسف جاءت الانتخابات وكان الخلل أكبر والخطأ أوضح كما شرحت ذلك في بيان أخذ المسافة الذي نشرته فور إقرار المكتب السياسي للترشيحات النيابية الرئيسية”، مضيفا “من هنا وجدتني سيدي الرئيس، وكما تعلم لست من هواة المواقف السلبية مضطرا لتقديم استقالتي من حزب “تواصل” مسؤوليات وعضوية”.

قادة على خطى الرئيس

وكما كان متوقعا لم تتوقف الانسحابات باستقالة جميل منصور، بل زادت حدتها، وهو الشيء الذي يرجعه بعض المراقبين إلى حجم تأثير الرجل في أبناء التيار الإسلامي بموريتانيا عموما ومن عملوا معه سياسيا خصوصا، فبعد فترة وجيزة على استقالته أعلن عضوان من اللجنة المركزية للحزب استقالتهما من جميع هياكله، وهما أمين المالية في اللجنة التنفيذية والنائب البرلماني السابق عن مقاطعة الطينطان محمد المختار ولد الطالب النافع وأمين الشؤون القانونية الدكتور سيدي اب عالي.

وفي خطوة متقدمة التقى ولد الطالب النافع بعد أيام من استقالته من تواصل بالرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في القصر الرئاسي، وتحدثت بعض الأوساط عن استعداده للانضمام إلى حزب الإنصاف الحاكم، خصوصا أنه صاحب تأثير اجتماعي في مقاطعة الطينطان ومنطقة الحوض الغربي عموما.

وتتالت الانسحابات لتشمل المكون الشبابي التواصلي؛ حيث أعلن رئيس المجلس الشبابي عثمان فودي ماريكا، استقالته من الحزب في رسالة وجهها لرئيسه حمادي ولد سيدي المختار.

وجاء في الرسالة، أن الاستقالة جاءت تأسيسا على قناعة شخصية “بتراجع الحزب عن مبادئه من مشروع جامع يسعى إلى الوحدة والانفتاح، إلى أداة تخدم أطرافا محددة وأفرادا دون آخرين”.

حزب إخواني جديد بتوجه مختلف

وفي ظل الانسحابات التي شهدها الحزب، والتي شملت حتى الآن قيادات وازنة من مختلف أجيال التيار الإسلامي السياسي في موريتانيا، يبرز للعلن الحديث عن نية الرئيس الأسبق لحزب تواصل محمد جميل منصور تأسيس حزب إسلامي جديد بنفس الأفكار والمرجعية التواصلية، مع توجه مختلف في التعاطي مع النظام، مما يعني أنه سيكون مواليا لنظام ولد الغزواني الذي شكل الخلاف حول العلاقة معه، بداية أزمة الانسحابات من تواصل.

فيما يرى مراقبون، أن المنسحبين من تواصل، سيكتفون بإنشاء تيار سياسي، أو الانضمام رسميا لحزب الإنصاف الحاكم، مستدلين على ذلك بصعوبة الحصول في الظرفية الحالية على ترخيص لحزب جديد، خصوصا أن ذلك يعني بطبيعة الحال الترخيص لحزب “الرك” الذي يرابط ملف ترخيصه داخل أروقة وزارة الداخلية منذ فترة، شأنه في ذلك شأن أحزاب أخرى مازالت الوزارة تماطل في منحهم الشرعية القانونية.

مدار