استقبالات الرؤساء.. تقاليد خالدة للتملق وحجب الحقيقة

كان الجميع يراهن على أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سيغير من الممارسة السياسية في البلاد، ومن أنماط التداول والتفكير الذي يقود به السياسيون المخلدون الجماهير ويسوقونها كالقطعان ليظهروا أن لهم شعبية ووجودا ووجوها يمكن أن تتقلب مع كل نظام وتستقبل كل رئيس ثم تلعنه بعد رحيله القسري.

لكل وال.. عاش عهدكم المجيد

ما يجري في هذه الزيارات هو نفس التقليد الذي استقبل به السياسيون الرئيس المختار ولد داداه، ثم تواصل بعد ذلك مع كل نظام إلى يوميات زيارة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

بأي منطق تفرغ الإدارات من مسؤوليها وتتعطل الأعمال، وبأي منطق يغيب سفير عن مقر عمله خارج البلاد، ليحضر زيارة الرئيس إلى ولايته، وربما لولاية غيره، وليستمع إلى توجيهات الرئيس بضرورة الجدية والانضباط، والعمل من أجل خدمة المواطن.

وبأي آلة حسابية يمكن أن نحيط بالمبالغ التي ينفقها مستقبلو الرئيس في الملابس الفاخرة وتأجير السيارات وصرف الوقود، ونفقات الضيافة، دون أن يكون لهم دور إيجابي على سكان المقاطعة أو المنطقة المزورة.

ماذا لو ألزم رئيس الجمهورية مستقبليه بأن يشرعوا فورا في عملية تنظيف المدينة، أو أن يقوموا بتشجير  أهم شوارع المدينة، ماذا لو طلب منهم أن يصطحبوا معهم القمامة التي أثارتها حركتهم وإنفاقهم وإقامتهم في المدينة التي لم يزرها أغلبهم في غير استقبالات الرئيس.

مالذي ستستفيده الممارسة الديمقراطية من حشد الناس وسوقهم كما تساق البهائم، ترغيبا بمصالح أو مكاسب فردية أو قبلية، أو ترهيبا بفقدان مكاسب أو تعسير مطامح.

مالذي سيضر البلد لو جاء الرئيس وزار بنفسه وتفقد المؤسسات والمشاريع، دون هذا الكم الكبير من الوفود الزائرة من خارج المنطقة.

ماذا سيضر الرئيس لو خاطب سكان المدينة بشكل مباشر دون أن يقف بينه وبينهم هذا الصف العريض من المتملقين.

مالذي سيثبت أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استثناء من الذين قبله ومختلف عنهم مادامت ممارسات الزيارات وتقاليد الحشد الذي يستقبله بها الأطر هي نفسها التي دأبت عليها أنظمة سابقة لا يمكن أن توصف بغير الفساد.

فخامة رئيس الجمهورية لقد تغير خطاب المعارضة، وتغيرت أساليبها في التعاطي مع نظامكم، فينبغي أيضا أن يتغير خطاب ونمط الموالاة في إدارتها لما بين أيديها وما خلفها من القوة والشعبية، وإلا فإننا سنواصل إنتاج أسوء أنماط الحشد وأفظع ممارسات التعبير عن الولاء.

إن الولاء الحقيقي الذي يفيد النظام والبلد، هو ولاء من يبادر إلى صالح عام، من يسد حفرة في طريق الشعب، هو المعلم الذي يثابر في الصف، فيعلم الفكر السوي، والموظف الذي يداوم في الوقت، هو  من يغرس شجرة لتثمر للأجيال، من يتفقد مدرسة، من يقدم كتابا لطفل، من يكفل يتيما، من يغرس وعيا، هذه هي الموالاة الحقيقية الثابتة لأن ولاءها للوطن.. وليس ولاء عابرا موزعا بين زعماء قبليين، لا، ولاء لهم لغير الكرسي ومن يتربع عليه.

يدرك الجميع أن كثيرا من الحاضرين يساق لهذا الجمع رهبة منه دون رغبة، وهو خائف على شقيق نفسه المال، ووظيفته التي تؤيه.

وبالتأكيد فأنت تعلم قبل غيرك  أن أغلب الحاضرين إنما يخافون أن يتمندل بهم  السلطان.

ينتهز الكثيرون الكرم الحاتمي الذي يصيب قادة الأحلاف في مثل هذه المواسم لجني بعض المكاسب من قادة الأحلاف وتعظيم الاستفادة من " معاقرة الأعراب" ففرصة اللقاء بهؤلاء الزعماء لحظية وآنية.

لكن قادة وأبطال الأحلاف طوروا من وسائلهم  في مواحهة المد الهادر من النفعيين فأوصد أبواب قصورهم التي تبتلع الدور أمام النفعيين و صغار المواطنين فهؤلاء مزعجين مدفوعين بالأبواب، لايسمح لهم بالدخول.

سيدي الرئيس، هؤلاء الحاشدون  ومن تولى كبر ذلك منهم،  هم خصومكم وخصوم البلد وخصوم العدالة والحرية، وهم الأخطر على نظامكم، وهم الذين يستوجبون عليكم ومنكم التنبيه و التوبيخ وأن تحثوا في وجوههم التراب.

نحن اليوم وبلدنا في وجه متغيرات عديدة، تحتاج إلى من يشهد الأجيال وأطفال المدارس على أنماط جديدة في الخطاب وممارسات جديدة في الأداء، ومن يقدم لهم نخبة يقتدى بهم، وليس أولئك الذين صرخوا لولد الطايع من مثله سيد، وصرخوا متمسكين بولد عبد العزيز، بالأيمان المغلظة، وهاهم الآن يهتفون لكم، وربما يهتفون عليكم.. بما لم تكن تتوقع منهم..، فهؤلا ضعاف لَا ‌زَبْرَ ‌لَهُم، وأنى لهم زبد ولو أدمن المخضى، ولولا فساد التعليم والإدارة وتراجع القيم لما وجد في موريتانيا مثل هؤلاء، فهم نتاج الحالة الاستثنائية.

وياأيها المواطن الذي نهش الفساد في ماله وتعليمه "النفسُ أسمى من المادة الدنيئة، وأقوى من الزمن المخرِّب، ولا دِينَ لمن لا تشمَئِزُّ نفسُه من الدناءة بأَنَفَةٍ طبيعيَّة، وتحمل همومَ الحياة بقوة ثابتة".

نقلا عن موقع الفكر