تتمتع الطاقة المتجددة في موريتانيا بإمكانات مستقبلية واعدة قد تمكّنها من حل مشكلة حرمان أكثر من نصف السكان من الكهرباء، إضافة إلى فرص الاستفادة من التصدير للخارج، بقيادة الهيدروجين.
ورسم تقرير حديث، حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه، خريطة المسارات الممكنة لموريتانيا لتعزيز نشر مصادر الطاقة المتجددة، مع تركيز خاص على الهيدروجين وإمكاناته الواعدة على مستوى الإنتاج والتصدير.
وتوفر إمكانات الطاقة المتجددة في موريتانيا فرصًا هائلة لتسريع التنمية الاقتصادية، خاصة موارد الطاقة الشمسية التي تتفوق على أوروبا من حيث معدلات السطوع وقياس الإشعاعات الشمسية المؤثرة في التوليد.
وتتساوى أدنى قياسات للإشعاعات الشمسية في موريتانيا مع أعلى المعدلات في جنوب أوروبا، كما تتوافر موارد الرياح البرية في المناطق الساحلية بصورة كبيرة تتيح التوليد بتكلفة أقلّ.
ولا تقتصر موارد الطاقة المتجددة في موريتانيا على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فحسب، بل توجد فرص واعدة لإنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة أقلّ عبر التحليل الكهربائي للمياه؛ ما قد يمكّن البلاد من إنتاجه بغزارة وتصديره للخارج.
سد فجوة الحرمان من الكهرباء
يمكن لفرص الطاقة المتجددة في موريتانيا أن تجذب استثمارات محفزة ومسرعة لتحول نظام الطاقة في البلاد؛ ما قد يمكّنها من سدّ النقص في الوصول إلى الكهرباء، وتحفيز التنمية النظيفة والمستدامة.
وتعدّ موريتانيا من الدول الصاعدة في شمال غرب أفريقيا، ويبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة حتى عام 2022، يعيش نصفهم في المناطق الحضرية.
وعلى الرغم من أن معدلات الوصول إلى الكهرباء في البلاد قد زادت بأكثر من الضعف من 22% عام 2001 إلى 48% عام 2022، فإن التحديات ما تزال قائمة في هذا المجال، خاصة على مستوى توسيع نطاق الوصول الشامل للطاقة إلى مجموعات كبيرة من سكان الريف.
وتمثّل مشكلة الوصول إلى الطاقة والكهرباء لجميع السكان أولوية كبرى لدى الحكومة الموريتانية، إذ يعيش أكثر من نصف السكان دون كهرباء.
خطط الطاقة المتجددة في موريتانيا
لا تتعدى قدرة توليد الكهرباء من المصادر المتجددة في موريتانيا -حاليًا- أكثر من 1 غيغاواط بحسب بيانات 2022، وسط خطط طموحة لمضاعفة هذه القدرة عدّة مرات خلال الأعوام المقبلة، وفق التقرير الصادر عن وكالة الطاقة الدولية.
وتزيد القدرة المخططة لمشروعات الطاقة المتجددة في موريتانيا على 70 غيغاواط، وهي ثاني أكبر مرشح لقيادة تحول الطاقة في القارة السمراء بعد مصر، بحسب تقديرات غرفة الطاقة الأفريقية، وهي مؤسسة غير هادفة للربح، مقرّها جوهانسبرغ
وأظهر تقرير صادر عن الغرفة -حصلت وحدة أبحاث الطاقة على نسخة منه- استحواذ الطاقة الشمسية على 13 غيغاواط من القدرات المخططة في موريتانيا.
وتستحوذ طاقة الرياح البرية على 21 غيغاواط، يليها الهيدروجين بقدرة 35 غيغاواط، لكن أغلب هذه القدرات ما زال في مرحلة الخطط أو الاقتراحات، بحسب التقرير الصادر نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
الطاقة المتجددة في موريتانيا قد تحسن صناعة التعدين
فضلًا عن دور مصادر الطاقة المتجددة في موريتانيا في حل مشكلة الوصول إلى الكهرباء في المناطق الريفية والنائية، فإنه يمكنها أن تحسّن من عمليات التعدين بصورة كبيرة.
ويمثّل التعدين -بالفعل- جزءًا كبيرًا من الاقتصاد الموريتاني، ويصنَّف بكونه أكبر قطاع صناعي في البلاد؛ إذ بلغت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي 24% عام 2021، كما استحوذت عوائده التصديرية على 71% من إجمالي إيرادات صادرات البلاد عام 2022.
وتصنَّف موريتانيا ثاني أكبر مصدر لخام الحديد في القارة السمراء بعد جنوب أفريقيا، لكنها لا تمتلك حاليًا سوى القليل من أنشطة القيمة المضافة في سلسلة توريد المعادن العالمية، بحسب تقرير وكالة الطاقة الدولية.
ونظرًا لأن عمليات التعدين عادةً ما تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء تأتي معظمها من الوقود الأحفوري، فإن رفع كفاءة استعمالها يمكنه أن يؤدي إلى خفض التكاليف الإجمالية لقطاع التعدين، إلى جانب تقليص الانبعاثات المتصلة به.
ومن شأن نشر محطات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أن يقلل بصورة مباشرة من كميات وقود الديزل المستورة وزيت الوقود الثقيل المستعمل في المولدات الكهربائية التي تشغّل معدّات التعدين؛ ما سيقلل من التكاليف ويعزز أمن الطاقة في القطاع.
إنتاج الهيدروجين الأخضر في موريتانيا
تستطيع مصادر الطاقة المتجددة في موريتانيا أن تسهم في تعزيز أنشطة القيمة المضافة لسلاسل توريد المعادن، إذ يمكن لتصدير الحديد، الذي يُختزل بوساطة الهيدروجين المنتج محليًا، أن يفتح آفاقًا واسعة أمام الاقتصاد الموريتاني.
وما يزال استعمال الهيدروجين منخفض الكربون في تقنية الاختزال المباشر للحديد بمراحلها الأولى، مع إعلان مشروعات متعددة في أوروبا.
وترجّح وكالة الطاقة الدولية أن تتصدر موريتانيا دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من حيث حجم مشروعات الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030.
وتستند الوكالة في هذه التقديرات إلى وفرة وجودة مصادر الطاقة المتجددة في موريتانيا، ومساحات الأراضي الشاسعة المتاحة لتطوير المشروعات، والتي تؤهلها لأن تصبح منتجًا منافسًا للهيدروجين الأخضر.
كما ترجّح وكالة الطاقة أن تقلّ تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في موريتانيا إلى دولارين أو أكثر قليلًا لكل كيلوغرام بحلول عام 2030، بحسب تقديرات رصدتها وحدة أبحاث الطاقة من التقرير.
3 خيارات لمستقبل الهيدروجين الموريتاني
يرسم تقرير وكالة الطاقة الدولية 3 خيارات رئيسة لتطوير إمكانات الطاقة المتجددة في موريتانيا لأغراض التصدير، الأول يركّز على تصدير الهيدروجين إلى الأسواق العالمية في صورة أمونيا.
وعلى الرغم من التكاليف المرتفعة المرتبطة بتحويل الهيدروجين إلى الأمونيا، فإن التكلفة الإجمالية للإمدادات المنقولة بحرًا أقلّ بالنسبة للأمونيا مقارنة بالهيدروجين السائل، ما يجعلها الخيار الأرجح لنقل الهيدروجين عبر مسافات طويلة على الأقلّ خلال هذا العقد.
أمّا الخيار الثاني، فيركّز على دمج التعدين الحالي لخام الحديد في موريتانيا مع الهيدروجين الأخضر في الاختزال المباشر للحديد وتصديره إلى أوروبا، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وبلغ إجمالي إنتاج خام الحديد وصادراته في موريتانيا 12.7 مليون طن في عام 2022؛ ما حقق إيرادات تبلغ 1.3 مليار دولار، وكان له تأثير حاسم في الاقتصاد الموريتاني، ومن شأن خفض انبعاثاته باستعمال الهيدروجين أن يوفر قيمة مضافة.
أمّا الخيار الثالث، فيركّز على نقل الهيدروجين إلى أوروبا عبر خط أنابيب يربط موريتانيا بإسبانيا، وهو مسار يمكن أن يمنح البلاد ميزة تنافسية تتفوق بها على مصدّري الهيدروجين الأخضر المحتملين في الخارج ممن سيحتاجون إلى الاعتماد على الشحن للوصول إلى الأسواق الأوروبية.
وتخطط 11 دولة عربية لدخول أسواق إنتاج وتصدير الهيدروجين والأمونيا بأنواعها المختلفة الزرقاء والخضراء، في مقدّمتها مصر والإمارات وسلطنة عمان والسعودية والمغرب، إلى جانب الجزائر وموريتانيا والعراق وجيبوتي وقطر والأردن.
ورغم التوقعات المتفائلة بشأن تصدير الهيدروجين من موريتانيا إلى أوروبا، فإن الجدوى الاقتصادية لمثل هذه المشروعات تعتمد على مدى تعبئة الاستثمارات وحجمها والتنسيق بين مختلف الكيانات وأصحاب المصلحة، إلى جانب استغراق هذا المسار لوقت أطول.
ويمكن لنشر مصادر الطاقة المتجددة في موريتانيا أن يكون نقطة انطلاق لإنتاج الهيدروجين الأخضر، كما يمكن لتحلية مياه البحر أن تحلّ مشكلة كميات المياه النقية التي تتطلبها عمليات إنتاج الهيدروجين الأخضر.
وتحتاج موريتانيا إلى 13 مليون متر مكعب من المياه النقية لاستعمالها في مشروعات إنتاج الهيدروجين بحلول عام 2030، ويمكن لمحطات تحلية المياه واسعة النطاق اليوم أن توفر هذه الكمية بنحو دولار واحد للمتر المكعب، ما يمثّل نسبة صغيرة فقط من تكلفة إنتاج الهيدروجين، بحسب تقديرات الوكالة الدولية.
معضلة البحث عن مشترين للهيدروجين
رغم الإمكانات الواعدة لإنتاج الهيدروجين وتصديره في موريتانيا فإن حجم مشاركتها في تجارة الهيدروجين منخفض الانبعاثات سيظل مرهونًا بالتطورات العالمية في معايير إصدار الشهادات والطلب في السوق وعدد المشترين.
وتواجه مشروعات الهيدروجين بغرض التصدير المخطط لها عالميًا، مشكلة كبيرة في تأمين المشترين المستقبلين، إذ ما يزال يُنظر للهيدروجين بوصفه وقودًا ناشئًا لم تنضج أسواقه بعد.
وتقدّر وكالة الطاقة الدولية وصول 17% فقط من مشروعات تصدير الهيدروجين المخطط لها بحلول عام 2030 إلى مشترين محتملين، بينما ما تزال النسبة الأكبر في مراحل متأرجحة بين الاتفاقيات غير الملزمة ومذكرات التفاهم واتفاقيات ما قبل البيع.
وتشترك دراسة أعدّها خبير الغاز والهيدروجين في منظمة الأقطار العربية المصدّرة للبترول" أوابك" المهندس وائل حامد عبدالمعطي، مع هذا الاستنتاج الخاص بأن أغلب مشروعات الهيدروجين حول العالم ما زالت تبحث عن مشترين.
كما توصلت دراسة أخرى أعدتّها شركة أبحاث بلومبرغ نيو إنرجي فايننس إلى النتائج نفسها مع تقدير هذه النسبة بـ10% فقط؛ ما يشير إلى معضلة تواجه الدول المرشحة لتصدير الهيدروجين عالميًا، ومنها موريتانيا.
المصدر: منصة الطاقة