موريتانيا في مواجهة العمل الإرهابي/ إعداد موقع المعدن الإخباري

المعدن الإخباري ـ لم تعرف موريتانيا العمل الإرهابي المسلح قبل هجوم 2005 الذي نفذته الجماعة السلفية للدعوة والقتال على جنود عسكريين في -لمغيطي-، يسهرون على حماية دولتهم موريتانيا المسلمة مائة في المائة، وقتلت الجماعة التي تدعي الإسلام 15 جنديًا مسلما خلافا لقدسية الحياة والكرامة البشرية التي يدعو إليها الدين الإسلامي الحنيف.

وتكررت سلسلة الهجمات الإرهابية في مناطق متفرقة من البلاد، وكان أكثرها دموية هجوم -تورين-الذي راح ضحيته 12 جنديًا قتلوا بدم بارد في هذا الهجوم الوحشي، الذي لا يتأتى أن يأتي ممن شم أريج سماحة الإسلام الذي صان في مقامه الأول دم المسلم وعرضه ماله.

وبعد تكرار العمليات الإرهابية الغير مألوفة على أرض المنارة والرباط، أضحت موريتانيا أمام وضع أمني جديد يحتاج إلى مراجعة الحسابات والاستراتيجيات الأمنية بشكل مدروس، ووضعت فعلا استراتيجية فعالة وناجعة في مكافحة الإرهاب ومختلف أشكال الغلو والتطرف، ضمن مقاربة شمولية تراعي الأبعاد الأمنية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية.

ففي المجال الأمني حققت موريتانيا إصلاحا مهما على مستوى بناء الجيش بعد فترة طويلة من الإهمال والترهل؛ حيث تم الاستثمار في المنشآت العسكرية وتكوين الأفراد وإصلاح النظام الإداري، واغتناء الوسائل اللوجستية الضرورية لضبط الأمن، كما قامت موريتانيا بضربات استباقية لاجتثاث العدو من معاقله في الصحراء الموريتانية والمالية، مما كان له الأثر البالغ في ردع الجماعات الإرهابية المسلحة وصد خطرها عن الحوزة الترابية، وانخرطت موريتانيا كذلك مع أشقائها في منطقة دول الساحل الخمس، وعبر مشاركتها ضمن قوات حفظ السلام الأممية، في العمل على استتباب الأمن والسلام في منطقة الساحل والقارة الأفريقية عموما.

وعملت موريتانيا على التنسيق الأمني مع دول الجوار والشركاء واليقظة الدائمة التي تعتمد على العنصر الاستخباراتي استعدادًا لأي هجوم محتمل، وحقق هذا المجهود الأمني نتائج كبيرة تجلت بدرجة واضحة في تقليص دائرة الهجمات الإرهابية، بشهادة الشركاء، حيث أشاد المسؤول الأمريكي أنتوني بلينك ـ على سبيل المثال ـ بحفاظ موريتانيا على أراضيها خالية من أي هجوم إرهابي منذ العام 2011 رغم تزايد المعارك الجهادية في دول الجوار.

 نجحت موريتانيا في مقاربتها الأمنية وأصبحت مثالا يحتذى في منطقة الساحل، التي تشهد تدهورا مستمرا للأوضاع السياسية والأمنية، مكّن الجماعات المسلحة من تنفيذ عمليات متعددة في دول الساحل وخاصة دولة مالي المجاورة.

أما من الناحية الفكرية فقد عملت السلطات العمومية في موريتانيا على تنظيم حوار مباشر مع السجناء، لمقارعة الحجة بالحجة ودحض المبررات الواهية، لدى هؤلاء الأبناء الواقعين تحت تأثير أفكار الغلو الوافدة على بلاد شنقيط، التي ظلت على مدى العصور مصدرا ومنطلقا ومثالا يحتذى في مجال تجسيد روح الإسلام من خلال التخلق والتمثل بقيمه السمحة التي تحافظ على دماء وأعراض وأموال الناس سواء تعلق الأمر بالمسلمين أو أهل الذمة من غير المسلمين، كما تم وضع برنامج شامل في هذا المجال للتوعية الدينية حول المفاهيم الصحيحة بعيدا عن الغلو والتطرف.
وقد أعطت هذه الخطوة نتائج مهمة حيث مكنت جمعا من العلماء الذين أشرفوا على الحوار  قبل سنوات من توضيح زيف ما تروج له الجماعات المتطرفة من شعارات الدين منها براء، وتمكن العلماء من إقناع سجناء السلفية بضرورة مراجعة تصوراتهم العقدية، فتابت الغالبية من هؤلاء بعد اقتناعهم بزيف تصوراتهم الإيديولوجية، وقامت السلطات العمومية بتمويل مشاريع لهم قصد دمجهم في النسيج الاقتصادي للبلاد.
وأقيمت عدة ندوات دولية ووطنية لمكافحة التطرف الديني، تسعى إلى تبيين الصالح من الطالح، مما كان له أثر إيجابي في مجابهة الغلو وتوضيح الرؤية الدينية الصحيحة في أذهان الشباب.

وعملت موريتانيا كذلك على معالجة الفوارق الاجتماعية، ومحاربة الهشاشة ودعم الفئات المغبونة وتعزيز التكافل الاجتماعي، ووضعت استراتيجيات وتصورات مهمة لتسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال ودعم الشراكة بين القطاعين الخاص والعام والسعي إلى تنمية الصناعات التحويلية، غير أن تلك الرؤية الطموحة لم يتسن لها بعد أن تتحقق بالشكل المطلوب، نظرا لمحدودية الموارد وتفشي الفساد في مفاصل الإدارة، مما يقوض جميع المجهودات والأفكار البناءة.

بعد 13 سنة تقريبا من استتباب الأمن والثقة المشتركة بين موريتانيا وشركائها، تمكن سجناء سلفيون مساء الأحد 5 مارس 2023من تنفيذ عملية إجرامية داخل السجن المركزي في نواكشوط، استشهد فيها عنصران من الحرس الوطني، وجرح فيها اثنان آخران، وبينما يرى البعض أنها قد تكون عملية مدبرة ردا على تصريحات الرئيس غزواني الأخيرة، يرى آخرون أنها عملية معزولة روتينية تحدث في جميع الدول مهما بلغت من التطور الأمني.

ومع أنه من المحتمل أن تكون العملية قد تمت بتخطيط من جهات لم تغب عنها عوامل سياسية واستراتيجية ذات تأثير عميق على البلد والمنطقة، فسيكون للسرعة والنجاعة التي يتم بها القبض على الجناة دور أساسي في تحديد مستوى انعكاستها.

 ومهما يكن فإن الدولة مطالبة بتغيير آليات التعامل مع السجناء السلفيين أو الإرهابيين ونقلهم من قلب العاصمة إلى سجن أكثر تحصينا، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث.

كما أن العلماء والمثقفين وخاصة حملة الفكر السليم منهم مطالبون بتأدية واجب التنوير والتوجيه وتصحيح المفاهيم المتعلقة بالدين، حتى يتضح للناس عامة وللشباب خاصة الفرق بين المطالبة بالحقوق المشروعة واستباحة حرمة الدماء المعصومة، وخطورة استسهالها مهما تكن الدوافع والمبررات، ويفهم الجميع أن المنهج الإسلامي الصحيح مبني على التوسط والاعتدال ودعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة والتربية على مبادئ العقيدة الصحيحة كما تربى عليها السلف في القرون المزكاة وغيرها بلا إفراط أو تفريط.