كان العام 91 عاما مثاليا عندما كنت في السنة السادسة الابتدائية و كنت الطفل المراود للمسجد العتيق. كان المؤذن انذاك رحمه الله الرجل الوحيد المقيم للصلوات في ذلك المسجد الذي بنته خيرية اسنيم هو و المحظرة فيما بعد.
كان المؤذن المرابط الوحيد مع شيوخ اخريين يجتمعون و يتفرقون.
كانت الصحوة الاسلامية قد بدأت و كان الدعاة الي الله في المساجد ظاهرة جديدة لا تعرفها الشيوخ. فالناس قد ودعت فترة زمنية انقسمت فيها اخلاق الناس بين المطبلين للمعسكرين الشرقي و الغربي بالاضافة الي التعلق ببعض عنتريات القوميين العرب الذين يمألون الفضاء العربي عبر اذاعة BBC. كان مذياع الوالد الكبير وسيلتنا في الاستماع الي العالم حيث ان بعض ما نسمعه لدي معلميينا رحمهم الله محمد ول اماه و حمود ول جعفر قد جعلنا نتعلق بالثقافة و الحب الدائم للأخبار.
ذات يوم أمنا أحد الدعاة القادميين الي المدينة و بدأ محاضرة لم أفهم منها سوي انهم قد تقطعت بهم السبل هنا في شوم و سيصلون صلاة الحاجة ليتوجهوا الي المحطة في الطرف الآخر من المدينة و بالفعل تابعت معهم المسير الي احد الاهالي كي يجد لهم وسيلة نقل لانواكشوط.
لقد كانت تلك المحطة مسرحا حقيقيا للفوضي و البداوة فالناقلون لا يملون من المرح و المسرحيات عبر الاثير و كان لباس الدعاة مصدر تندر لكثير منهم.
كنت قد دخلت نقاشا مع شيوخ يعتقدون ان الدعاة قادمون من امريكا و اخرون يقولون بان تمويلهم من حزب البعث العراقي الذي احتل الكويت العام 90.
ستتغير الامور الي الأفضل و يختفي الكثير من الاستهزاء بالدعاة الي سبيل الله.
أصبح للدعاة الآن دورا بارزا في المدينة فكل مساجدها لا تخلو من جماعة تفقه الناس في دينها و غيروا بذلك الكثير من المسلكيات في بيئة اتسمت بغياب الخدمات علي جميع الأصعدة و نسبة عالية من الأمية مع كثرة اخلاق و شرف لدي الناس.
اذا مررت انذاك من عند أي تجمع للشباب تسمع شريطا لديمي رحمها الله و سدوم أطال الله عمره يدور بقصائد نزار غباني و البراعي و أشرطة أخري من غربيين و عرب و موريتانيين.
في المساء غالبا ما تتنادي الناس الي اشويرات الظل تبوح بها فتيات في مقتبل العمر في مكان لا يكون الغبار عالقا به ، فالمدينة كدولتها ولدت من رحم المعاناة علي الرغم من وجودها كملتقي طرق وطني حي و كثير الاستخدام.
ناضل سكان شوم كثيرا من اجل توفير المياه الصالحة للشرب سنوات عديدة و قد تحقق ذلك بعد جهد جهيد و مع ذلك لا تري تشجيرا في الشوارع لا لأشجار مثمرة و لا أخري للمظهر و ان كان الامر لا يكلف شيئا يذكر.
بدأ الاسمنت المسلح يغزو المدينة حيث الاهالي بلا دخول و لا أعمال تذكر، كان التخطيط المعماري للمدينة واضح المعالم ايام نشئتها، فالشوارع فسيحة و الساحات العمومية تقريبا في كل الأحياء.
ان ذلك يذكرك بلكصر في العاصمة انواكشوط قبل ان تولد كل المقاطعات الاخري التي حولت العاصمة الي واحدة من أكثر العواصم بداوة علي وجه المعمورة.
ذاك التخطيط يثبت لك كم كانت عقلية الناس متطورة ايام الدولة الاولي و كيف غزتها البداوة هذه الايام رغم التطور الحالي في كل شيء .
كل الشوارع التي كنا نعرف فسيحة تم سدها في اماكن ضيقة و اختفي الكثير من الساحات العمومية. فبدل ان يؤثر الجيل الجديد علي البداوة أثرت هي عليه.
لقد خلق وضع فقدان الاشجار امام المنازل او الساحات العمومية مناخا شديد الحرارة في الصيف و شديدة البرودة في الشتاء ، فالبيئة المحيطة بالانسان هو من يجعلها في صالحه حتي تتحول من شوكة الي ورود.
عكس محطة اسنيم ايام الفرنسيين الذين ملؤها بالأشجار بل حتي بالحمام الزاجل الذي كان يحلق كل صباح و مساء علي رؤوسنا في جو رائع اختفي للاسف هذه الايام مع ان حديقتها ما تزال جميلة المنظر اذا دخلتها اعتقدت انك في مكان آخر ليس شوم.
كلما دعوت الاهالي لذلك التشجير ضحكوا من هذه الفكرة مع انهم يحترمون رئيس مركزهم الاداري جزاه الله خيرا فمنذو أيام استطاع تنظيم مقدمي خدمات اللحوم فنظفوا اماكنهم و توافقوا علي سعر محدد يراعي القوة الشرائية لسكان جلهم فقراء علي قارعة الطريق.
تتهيأ الوضعية الآن لعمل تطوعي كبير لو ان العقليات تبدد منها ماهو غير متحضر في هذا الزمان.
طيب الله اوقاتكم
حمود ول اكليد