بعد وصوله إلى الحكم، تبنى الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، مبدأ تفويض المسؤوليات للمسؤولين في الجهاز التنفيذي، بكل ما يخوله القانون لهؤلاء من صلاحيات، واعدا ومتوعدا بتطبيق مبدأ المحاسبة ببعديها الإيجابي والسلبي، أي مبدأ العقوبة والمكافأة، وهو توجه سليم وضروري لتحرير طاقات وقدرات القائمين على الشأن العام من ناحية، وتسهيل وتسريع الخدمة المقدمة للمواطن من جهة أخرى.
أطلق الرئيس برنامج "تعهداتي" الموسع، وأعلن الحرب على الفساد، وكان برنامجه طموحا، أعاد الأمل إلينا كموريتانيين منسيين على قارعة الطريق، لكنه في المقابل اختار لتنفيذ ذلك البرنامج الطموح، نفس المسيرين الذين خدموا أنظمة الفساد واستخدموا الوطن لتحقيق مصالحهم الشخصية بدل خدمته.
كتبت حينها مقالا تحت عنوان " جنود الفساد لا يصلحون لمعركة الإصلاح" انظر الرابط (https://rimnow.net/w/?q=node/1391) أردت من خلال هذا المقال لفت انتباه الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى أن تدوير المفسدين سيحول دون تحقيق ما تعهد به للشعب الموريتاني.
كنت ألتمس أحسن المخارج للرئيس، ونأخذ بأحسن التأويل لتعييناته، كونه لا يريد العمل بالأحكام المسبقة حتى يعطي فرصة لمن يريد التوبة والأوبة، أو يثبت بفعله على نفسه فرضية فساده أو عجزه، وقد يكون ذلك معقول ومقبول إذا ما أخذنا في الحسبان طبيعة الرجل وتربيته، ما لم يتجاوز الامر حيز المداراة إلى دائرة المداهنة.
وبعد مضي أكثر من سنتين من مأموريته، بدأ السيد الرئيس يعبر عن عدم رضاه بل واستيائه أحيانا من عجز من أولاهم ثقته عن تنفيذ برنامج تعهداته، وعن استمرار نهج الفساد رغم تكرار تعليماته وتوجيهاته بضرورة إحداث تغيير في نمط التسيير والقطيعة مع عقلية الماضي، المبنية على استغلال المرفق العام لتحقيق أهداف خاصة، عبر الرئيس عن استيائه من استمرار الفساد والمسلكيات المخلة والمضرة بوئام وتقدم وتنمية المجتمع في أكثر من مناسبة، كان من أبرزها خطابه إلى الأمة بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال الوطني لسنة 2021، وخطابه في وادان بمناسبة افتتاح مهرجان مدائن التراث، يوم الجمعة 10/12/2021 وكذلك في اجتماعه ببعض كبار المسؤولين مباشرة بعد عودته من وادان، مرورا بلقائه مع الجالية في اسبانيا وانتهاء بخطابه التاريخي يوم الخميس الماضي 24 مارس 2022 في حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، والذي انتقد فيه الوضع القائم بشدة لافتا إلى وجود اختلالات بنيوية كبيرة، وغياب للإدارة في جميع الوزارات، المعنية باستقبال المواطنين وحل مشاكلهم، ومقدما عدة أمثلة يرى أنها اختلالات في مجالات خدمية وإدارية، ومستشهدا على فشل الإدارة بتظاهر المواطنين أمام الرئاسة وتلقيها للكثير من الرسائل والشكاوى بهذا الخصوص، داعيا في نفس الخطاب جميع المسؤولين والإداريين العاجزين عن أداء مهامهم في خدمة المواطنين إلى الاستقالة وترك أماكنهم لغيرهم.
سيادة الرئيس
بعد إعطاء الفرصة بالتعيين والتوجيه، وإعطاء المهلة بالتذكير والتنبيه، دون الوصول إلى ما كنتم تصبون إليه، أعتقد أنه حان وقت المحاسبة، فمن واجبكم أن تسارعوا بمكافأة من أسرع به عمله، ومعاقبة من خذلكم وألحق الضرر بالوطن والمواطن، لا تنتظرا من هؤلاء الفاشلين أن يؤثروا من بهم خصاصة على أنفسهم ويستقيلون، فلو كانوا من الذين يحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا، لاستقالوا قبل 24 مارس أو رفضوا التعيين أصلا، لكنهم تعودوا على تسخير نفوذهم لخدمة أنفسهم وعشيرتهم الأقربين.
من واجبكم سيادة الرئيس أن تبادروا إلى تنحية هؤلاء، وفتح المجال أمام أبناء الوطن الشرفاء الذين يمتلكون من الكفاءة والحس الوطني ما يجعلهم أهلا لترجمة تعهداتكم من أفكار طموحة إلى واقع ملموس يعيشه المواطنون قويهم وتضعيفهم و"بناء إدارة تكون رافعةً للتطوّر والنموّ".
أعتقد أنه بعد سنتين وثمانية أشهر من مأموريتكم سيادة الرئيس، والحال كما وصفتم، ونظرا لما تعيشه الساحة الوطنية من التفاهم والتقارب السياسي، يجب اتخاذ قرارات تصحيحية جوهرية جريئة، تستجيب لمتطلبات إعادة تأسيس الدولة، ويكون ذلك بالسرعة المطلوبة حتى لا تضيع الفرصة.