لا شك أن واقع الشعب الموريتاني ولسان حاله يشهدان بفقره، هذا هو حال الأغلبية الساحقة في البلد، حتى لا نتيح فرصة التكذيب لمن لا يرى سوى ثلة من الموريتانيين ترفل في الغناء الفاحش، ويسقط ما تعيشه هذه الثلة من الترف المادي على باقي الموريتانيين، الذين يعيشون الفقر والحرمان، بسبب استحواذ تلك الثلة القليلة من أبناء البلد على خيراته، وتسهيل نهبها من طرف الأجانب.
ومع أننا لسنا في حاجة إلى دليل لإثبات فقر الشعب الموريتاني، إلا أن خطاب رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني أمام جاليتنا في إسبانيا، يشكل في نظري اعترافا رسميا صريحا بالواقع المزري الذي يعيشه هذا الشعب المسكين، حيث صرح السيد الرئيس أن موريتانيا تعاني الجوع، حتى قبل أزمة القمح، وفيها عائلات تبيت دون طعام، مضيفا أن المتسولين ينتشرون على الطريق وعند إشارات المرور، وفق تعبيره، بالإضافة إلى انقطاع خدمات الكهرباء والماء، مستغربا اعتبار موريتانيا دولة غنية.
وهنا يجب أن نشكر الرئيس على مستوى المصارحة والمكاشفة الغير معهود، إذ عودنا المسؤولون الرسميون على محاولة تزيين وتجميل واقعنا المزري، الذي لم ولن يفلحوا في تجميل وجهه المكفهر، مهما استخدموا من مساحيق العبارات الرنانة،
غبر أن المفارقة هنا تكمن في كون الشعب الموريتاني فقير، وهو يعيش في دولة غنية، وهو ما أردت توضيحه في هذا المقال، حتى لا تختلط المفاهيم، ويظن البعض جهلا أو يدعيها تجاهلا أن فقر الدولة هو فقر الشعب، هيهات هيهات، فالدولة الموريتانية ليست فقيرة، بل هي دولة غنية بثرواتها الطبيعية، حيث حباها الله بشواطئ غنية بالأسماك، وثروات معدنية متعددة، ومقدرات زراعية هائلة، حيث التربة الخصبة وغزارة المياه، وكذلك ثروتها الحيوانية الكبيرة، بالإضافة إلى ما تم اكتشافه مؤخرا من النفط والغاز بكميات ضخمة ... الثروات الطبيعية موجودة بكثرة في تخوم الأرض وعلى وجهها، أعني هذه الأرض التي يعيش على أديمها الشعب الموريتاني قليل العدد، ويمتلكها بقوة القانون، ويحرم منها بقانون القوة.
ما ينقصنا هو الثروة البشرية المخلصة في خدمة الوطن، المؤمنة بالقانون، مشكلتنا هي الفساد وسوء التسيير، حيث ظلت الأنظمة المتعاقبة تحكم الناس بقانون القوة وليست قوة القانون، بهدف الحفاظ على الحكم وليس البحث عن حل مستديم لمشاكل الشعب، طغت فينا عقلية المادة منذ نهاية السبعينيات، وأصبح الموظف يفكر ببطنه بدل عقله، وانعقد قران غير شرعي بين السلطة والمال، وكان الكسب غير حلال، وأضحى الشعب بضاعة تباع في سوق السياسة فكانت الإنتكاسة، وكثر الأتباع تحركهم الأطماع، وتصامم الكل عن الأنين والأوجاع فسلكت حقوق الشعب طريق الضياع.
عند مجيء الرئيس الحالي إلى الحكم، فكرت بما أساعده فلم أجد متاحا إلا "كاف" من "لغن الحساني"
موريان املان امن الخير@ ابشر بيها يغزواني
قير الظلم ؤ سوء التسيير@ هوم علة موريتاني
واليوم أكرر نفس النصيحة والتوجيه وأرجو من الله أن يكون الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أخذ العبرة من الماضي، وقرر أن يدخل بشكل عملي في محاربة الفساد وسوء التسيير، ولا شك أنه أهلا لذلك نظرا لتجربته العميقة ورجاحة عقله وطيب منشئه وحسن تربيته.