ليس من السهل على المرء أن يكبح جماح نفسه الأنانية بطبيعتها الخلقية، ويتخلى عن مصلحته الشخصية من تلقاء نفسه، خدمة للمصلحة العامة، إلا إذا كان على مستوى معين من النضج الفكري والصدق مع الذات، يدفعانه إلى التحلي بالموضوعية والتعاطي بإيجابية مع ما يعترض سبيله من مشكلات في مسيرة حياته، خصوصا إذا تعلق الأمر بالاستقالة من منصب سام، يشكل الوصول إليه حلما صعب التحقيق.
ومن هنا فإنني أتقم بجزيل الشكر للسيدة نبغوها بنت حابه على استقالتها من منصب رئاسة المجلس الوطني للتهذيب، عندما تبين لها أنها لا تستطيع تحقيق المهمة التي من أجلها تم تعيينها، وهو لعمري تصرف مسؤول يستحق الإشادة والتنويه، خصوصا في هذا الزمن الذي طغت فيه عقلية المادة، وأصبح أغلب المسؤولين لا يفكر إلا في مصالحه الشخصية، ومصالح محيطه الضيق، آخذا من منصبه أداة لتحقيق تلك المصالح، جاهلا أو متجاهلا أنه جيء بيه لخدمة الوطن والمواطن بكل نزاهة وإخلاص، وأن الله سائله عن حقوق الناس قويهم وضعيفهم، وأنه آئل إلى الزوال وسيحاسب على إفراطه وتفريطه.
فكرة الاستقالة هي المبدأ الصحيح والتصرف السليم، الذي ينبغي لأي مسؤول مسؤول أن يقوم به عندما يتبين له عجزه عن تأدية واجبه، مهما يكن سبب ذلك العجز، فالحكم الشرعي والعقلي يقتضيان تنحيه طواعية، وإلا يصبح لزاما على من ولاه أن يقيله حفاظا على المصلحة العامة.
فالاستقالة صورة للشهامة وصون للكرامة وحفظ للحقوق، ومن خلالها تتجلى الإنسانية في أبهى صورها وأجمل معانيها، وترتيبا على ما سبق، فإنني أهيب بكل المسؤولين العاجزين عن أداء الخدمة العامة على الوجه المطلوب أن يحذوا حذو نبقوها بنت حابه، حتى يعطوا لهذا الوطن المظلوم فرصة الخروج من مستنقع التخلف.