في إطار مواكبة موقع المعدن الإخباري لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منه إلى إطلاع المتابعين الكرام على تفاصيل الأحداث والمستجدات، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم مع أحد المهندسين الموريتانيين البارزين في مجال الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة، فهو ممن سبرورا أغوار هذا المجال الحيوي، قدم فيه أفكارا ورؤى تجديدية، نالت إعجاب العلمين والمستثمرين، وحازت جوائزة مشرفة، نحاوره اليوم لنستجلي من خلاله أهمية ومزايا الطاقة المتجددة بصفة عامة، ودورها الإستيراتجي كرافعة للإقتصاد الوطني، وخاصة الهيدروجين الأخضر وأهميته في إنتاج الطاقة وتخزينها ونقلها مع الحفاظ على البيئة.
المعدن الإخباري: السيد المهندس نود منكم في البداية تعريف المشاهد بشخصكم الكريم؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: أنا مهندس وخبير في قطاع الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة، وحاليًا مدير مجموعة السويدي إليكتريك العالمية في موريتانيا والرأس الأخضر وعضوا في المكتب التنفيذي للهيئة العربية للطاقة المتجددة.
المعدن الإخباري: ما المقصود بالطاقة المتجددة وما هي أهم مصادرها وما أهميتها في عالم اليوم؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: الطّاقة المتجددة هي الطّاقة المُستَمّدة من الموارد الطبيعية التي لا تنفذ وتتجدد باستمرار، مثل الرياح والمياه والشمس المتوفرة في معظم دول العالم، كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر أو من طاقة حرارية أرضية وابتكارات أخرى، فمثلا عن طريق الهواء المضغوط، وهذه الأخيرة كانت موضوع البحث الذي حصلنا من خلاله على جائزة المملكة العربية السعودية لإدارة البيئة في العالم الإسلامي سنة 2019، حيث اقترحنا مشروعا لإنتاج الكهرباء عن طريق الهواء المضغوط، في المناطق المعزولة في إفريقيا، وخاصة في موريتانيا، وكان موضوعا مهما جدا نال إعجاب لجنة جائزة المملكة العربية السعودية للبيئة، وكنت أول موريتاني يحصل على هذه الجائزة.
و من المعروف أن موريتانيا تتوفر على موارد متنوعة وهائلة من الطاقات المتجددة، فهي تعد من افضل المناطق في العالم تهب فيها الرياح بقوة وسرعة، خاصة في المدن الساحلية. كذلك تحظى بسطوع جيد للشمس في معظم أيام السنة، وهذا ما يجعل موريتانيا من المناطق التي تتوفر على أهم المصادر الأكثر شيوعا للطاقة المتجددة، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الموقع الاستراتيجي للبلاد، فهذا يجعل منها الوجهة المفضلة للمستثمرين الراغبين في الاستثمار في هذا المجال.
المعدن الإخباري: كثر الحديث مؤخرا عن طاقة الهيدروجين الأخضر، كيف يتم إنتاج هذا النوع من الطاقة وما الذي يميزه عن باقي المصادر الأخرى؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: يعدّ الهيدروجين أحد البدائل القوية للنفط إذا تم تطويره تكنولوجيا واستخلاصه من مصدر ما ، حيث يُتوقع أن يسيّر الهيدروجين كل شيء في المستقبل. والهيدروجين غاز عديم اللون والرائحة، ويتوافر بكميات لا تنضب في عدة تكوينات طبيعية ، وله أنواع مختلفة أهمها :
- الهيدروجين الرمادي: ينتج من الوقود الأحفوري، غالبًا النفط والغاز، ويرافق ذلك انبعاثات الكربون وغيرها.
-الهيدروجين الأزرق: ينتج من الوقود الأحفوري، إلّا أنه يرافق عملية إنتاج الهيدروجين احتجاز الكربون.
-الهيدروجين الأخضر: يُنتج عن طريق التحليل الكهربائي للماء، ولا ينتج عن ذلك أيّ انبعاثات، على فرض أن الكهرباء تأتي من طاقة متجددة، وهو ما يسمى بطاقة المستقبل، ودول العام تتسابق لانتاج هذا النوع من الهيدروجين، الذي يمكن أن يكون حلا لنقل الطاقة وتخزينها بكميات كبيرة جدا ونقلها عن طريق صفائح صغيرة الحجم،
المعدن الإخباري: في الآونة الأخيرة وقعت موريتانيا اتفاقية مع شركة أمريكية لبناء محطة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، هل لكم ان تعطونا معلومات عن هذه المحطة سواء من حيث الموقع والإنتاج والآجال الزمنية المقررة للانتهاء من اعمال البناء والتشييد؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: طبعا بدأ مجال الطاقة المتجددة يشهد نقلة نوعية في السنوات الأخيرة، حيث نرى أن هناك مشاريع للطاقة الشمسية وهناك مشاريع للطاقة الهوائية مثل مشروع 100ميغاوات في بولنوار، ومحطة 50 ميغاوات في دار النعيم. وهناك عدة مشاريع أخرى مهمة جدا في هذا المجال. وفيما يتعلق بالاتفاقية، فهي اتفاقية غير مسبوقة وسيكون لها ما بعدها، لكن نجاحها يتطلب توفير بعض النواقص التي يعاني منها قطاع الطاقة المتجددة في موريتانيا، ومنها عدم وجود معاهد ومراكز ووكالات متخصصة في الطاقة المتجددة و التحكم في الطاقة و نجاعة الطاقة و .power to x وهي مقومات أساسية لا بد منها لبلد يتطلع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بطاقة تصل الى (30 جيغاوات) .
وعندما ننظر إلى الدول المجاورة مثل السنغال والمغرب، خاصة السنغال التي لا تتوفر على موارد الطاقة المتجددة مثل موريتانيا، نرى أنها تقدمت أشواطا مقارنة بموريتانيا، فقد أصبح لديها وكالات ومعاهد متعددة في هذا المجال، بينما في موريتانيا كل ما هو موجود ممركز في الشركة الوطنية للكهرباء، وهذا أحد التحديات الكبيرة التي ستواجه هذا المشروع.
وبالتالي يجب على الجهات الوصية المبادرة لخلق معاهد ومراكز وشركات متخصصة في الطاقة المتجددة، من أجل مواكبة هذا المشروع المهم جدا، والذي سيكون له انعكاسات على الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين، وسيكون له أثر إيجابي على الحلقة الأساسية في الاقتصاد وهي الطاقة، وكما تعلمون هناك اهتمام عالمي كبير بدول شمال إفريقيا مثل موريتانيا والمغرب، التي تتوفر على مصادر هائلة للطاقة المتجددة، من أجل الاستثمار فيما بات يعرف بطاقة المستقبل، ويجب ان نستغل هذا الاهتمام لنجلب المزيد من المستثمرين والشركات المختصة والدول والمنظمات المهتمة بمصادر طاقة لا تضر بالبيئة.
والهيدروجين الأخضر عندما يحرق ينتج عنه بخار ماء، وعندما تكون هناك محطات كهربائية تستخدم الهيدروجين الأخضر سينتج عنه بخار ماء، يعني أنه ليس هناك ضرر بالبيئة، وهذا ما يتجه له العالم من أجل الحفاظ على الأرض والحفاظ على المناخ.
وعندما نطلق هذا المشروع في الوقت المناسب نكون سباقين لاقتحام قطاع واعد سيخلق الكثير من فرص العمل للمواطنين، وسيضمن للبلد تأمين مصدر جيد للكهرباء، ونقلها وتخزينها وتصديرها بكميات كبيرة، وستمكننا كذلك هذه الكميات الكبيرة من الطاقة النظيفة من تطوير الصناعات الاستخراجية، مثل المعالجات التي تجري على الحديد المنتج من طرف اسنيم ولتحويله إلى منتجات جاهزة للاستخدام بدلا من تصديره كمواد خام .
المعدن الإخباري: هل يمكن ان تتحول موريتانيا بفعل مشاريع من هذا القبيل إلى قطب إقليمي لإنتاج وتصدير الكهرباء وما هي الشروط المطلوبة لبلوغ هذا الهدف؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: موريتانيا مرشحة فعلا لتصبح قطبا إقليميا لانتاج وتصدير الكهرباء بفضل ما تتوفر عليه من مصادر قل نظيرها في مناطق أخرى ، لكن بلوغ هذا الهدف مرهون - كما أسلفت - بتوفير العديد من المتطلبات التي ترافق ولوج عصر الطاقة المتجددة، ولعل أهمها هو خلق كادر بشري قادر على تسيير وإدارة وصيانة مشاريع الطاقة المتجددة .
المعدن الإخباري: ما الدور الذي يمكن أن تضطلع به مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني في مجال الطاقة المتجددة؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: مؤسسات القطاع الخاص تلعب دورا محوريا في مجال الطاقة المتجددة، لأنها تساهم في التحسيس بأهميتها والتوعية على طرق استخدامها، بالإضافة الى إجراء الدراسات والأبحاث المتعلقة بها، هذا فضلا عن كون منظمات المجتمع المدني تعد رافدا أساسيا للمصادر البشرية المتخصصة بمجال الطاقة المتجددة.
المعدن الإخباري: هل من كلمة أخيرة يمكن أن تضيفوها ضمن هذا السياق؟
المهندس الداه ولد إبراهيم ولد اباه: أود أن أجدد لكم الشكر على إتاحة هذه الفرصة، ومن خلالكم ألفت الانتباه إلى أن العالم بدأ يتحول تدريجيا نحو استخدام الطاقة المتجددة، ويرصد مبالغ طائلة لهذا التحول، تتوزع بين تأمين المصادر وإيجاد البنية التحتية و تكوين الأطقم والكوادر البشرية المختصة، وعلينا كدولة حباها الله بميزة نسبية في هذا المجال، ألا نضيع الوقت، بل علينا أن نعمل من الآن فصاعدا على وضع مقاربة للمستقبل، تشمل تخصيص موارد كافية وإعداد خطة قابلة للتنفيذ، ونحن مستعدون للمشاركة في أي جهد لتطوير هذا القطاع، لأننا واثقون أنه سيعود بالخير الكثير على الشعب الموريتاني.
المعدن الإخباري: شكرا لكم السيد المهندس على ما تفضلتم به من إجابات علمية واضحة، ونرجو أن يوليها القارئ الكريم ما تستحقه من قراءة متبصرة حتى يتسنى له الحصول على الفائدة المرجوة منها.