من أرض شنقيط، من بلاد المنارة والرباط، من بلد الشعر والديباجة، التي تنساب كمصب نهر صنهاجة، من الجمهورية الإسلامية الموريتانية، العاشقة لجمال العربية، وفي جناحها بـ«إكسبو 2020 دبي»، التقينا معالي المختار ولد داهي وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، والناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية، بمناسبة احتفالات موريتانيا بيومها الوطني الذي يوافق الثامن والعشرين من نوفمبر من كل عام، وكان هذا الحوار...
* احتفلت موريتانيا بيوم استقلالها الوطني بـ«إكسبو 2020 دبي» ليكون منصة عالمية لتقديم الثقافة الموريتانية للعرب والعالم عبر سلسلة فعاليات ثقافية تنظمونها في جناح موريتانيا بالمعرض.. فما دلالة هذا الاحتفال والاحتفاء في معرض إكسبو؟.
- اختارت وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان تخليد ذكرى الاستقلال هذه السنة في معرض «إكسبو دبي 2020» لبعض الاعتبارات، أولها أنه ينظم ببلد تربطنا به علاقات خاصة، تمتد نصف قرن، وضع معالمها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والمغفور له المختار ولد داداه (أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية) طيب الله ثراه، وسرنا على نفس المنوال، حيث تواصل قيادة البلدين اليوم تنمية هذا الإرث وتعزيزه، ولا أدل على ذلك من أن فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني كانت أول زيارة له خارج البلد -بعد انتخابه- زيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. ثانياً أن العالم كله اليوم يجتمع بـ«إكسبو 2020 دبي»، مما يسهل إيصال ثقافتك لكل أصقاع المعمورة في محفل دولي كبير وجامع لا نظير له، وفي مكان واحد، وهي مناسبة لأقدم خالص التهنئة على تميز وألق المعرض بشكل غير مسبوق ومن الصعب أن يكون ملحوقاً بمثل هذا المستوى من التميز أيضاً.
* تُعرف موريتانيا والموريتانيون -الشناقطة- في المشرق العربي بعطائهم الثقافي والفكري المتميز.. ماذا أعددتم لتقديم هذا الإرث لجمهور إكسبو؟
- جئنا إلى إكسبو 2020 دبي نحمل جدولاً ثقافياً مضغوطاً، سيلقي مزيداً من الضوء على الثقافة الموريتانية، على ثرائها وتنوعها وأصالتها.. ستكون المحظرة الشنقيطية بكل تفاصيلها حاضرة، كما سيكون التنوع الثقافي حاضراً، وستكون المخطوطات والتراث الشنقيطي الممتد زهاء عشرة قرون موجوداً، وبالإضافة إلى كل ما سبق، سيلقي الشعراء الموريتانيون شعرهم، وستكون هناك أمسيات ينعشها فنانون ومطربون، للتعرف على الفن الموريتاني الأصيل، حيث تتعانق الموسيقى العربية والأفريقية بمنتهى الانسجام والجمال.
بلاد الشعر والسرد
* تعرف موريتانيا في التعبيرات الثقافية الشائعة بأنها «بلاد المليون شاعر».. ماذا عن المشهد الشعري والأدبي في موريتانيا اليوم؟
- في الفترة الأخيرة ظهرت بعض الحناجر والأقلام الموريتانية الشابة، وقد بدأت هذه الأجيال تُعرف على مستوى الوطن العربي، واستطاع بعضها نيل جوائز معتبرة في مجالات الشعر والسرد.
وقبل هذا، يعتبر الشعر مجال أهل شنقيط، وبه عرفت، وبه ارتقت عالياً في سماء الأدب العربي، حيث ازدهر الشعر عندنا منذ القرن التاسع الهجري تقريباً.
والوزارة من ضمن استراتيجيتها دعم الأدب والشعر والكتابة، وذلك من خلال عديد الجوانب، من بينها تكثيف النشر، وخلق جو تنافسي إيجابي، عبر المسابقات والمهرجانات، إضافة إلى دعم كل المبدعين.
وأنتهز هذه الفرصة لشكر دولة الإمارات على دورها الكبير الذي تقوم به في مجال دعم الثقافة العربية بصورة عامة، والأدب والشعر بصورة خاصة وتكريمها لشعرائنا الكبار. كما قامت الوزارة بالتعاون مع الأدباء والكتاب الموريتانيين، في الفترة الأخيرة، بإصلاح اتحاد الأدباء، وإنشاء صنوه النبطي، أو الشعبي.
«إكسبو 2020 دبي» منصة عالمية استثنائية لتقديم ثقافات ومعارف الشعوب وتعريف العالم بها.. ما هو انطباعكم عن جناح موريتانيا؟ وهل يقدم سردية عن موريتانيا الثقافة والسياحة والموروث والفرص والاستثمار؟
- لقد استطاع الجناح الموريتاني بإكسبو تقديم الثقافة الموريتانية، وتقديم التراث الموريتاني الثري المتنوع، لقد قدم عشرة قرون وزيادة من التاريخ والحضارة.. تماماً مثلما قدم فرصاً وفيرة وكبيرة في الاستثمار، وفي شتى المجالات، في معادن الذهب والنحاس والكوارتز والحديد.. والطاقة، وفي الزراعة، والصيد، والصناعة، والبنية التحتية، وفي الثقافة، تضاف إليها ترسانة من الحوافز الضريبية والجمركية والجبائية.. وقد شهد كل المراقبين بأنها من بين الأكبر والأهم في العالم، وهي مناسبة لدعوة رجال الأعمال الإماراتيين للاستثمار في موريتانيا، تجسيداً -أولاً- للروابط المتعددة التي تجمعنا، ورغبة -ثانياً- في الاستفادة من هذا المناخ الاستثماري اللافت.
علاقات ثنائية تاريخية
* العلاقات الثنائية بين الإمارات وموريتانيا تتميز بالقوة والرسوخ.. ما هي فرص تعزيز هذه العلاقات في مجال الإعلام والصناعات الثقافية، والاقتصاد الإبداعي؟
- اسمحوا لي أولاً بأن أهنئ دولة الإمارات العربية المتحدة -شعباً وحكومة- بمناسبة عيد الاتحاد الخمسين، كما أشكر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، على حرصهم الدائم على تنمية وتعزيز الروابط الأخوية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الإسلامية الموريتانية.
وتعتبر الإمارات العربية المتحدة نموذجاً للبلدان التي انطلقت إلى الحداثة من أرضية الأصالة، إذ ظلت محافظة على تراثها الثقافي مع استغلال التقنية الحديثة لتطويره وتثمينه والتعريف به، ولأن هناك تشابهاً ثقافياً وتراثياً بين الإمارات وموريتانيا، فإننا يمكن أن نجعل من التجربة الإماراتية نموذجاً نستفيد منه في المواءمة بين الماضي والحاضر ثقافياً وجعلهما أداة لبناء المستقبل.
يضاف إلى ما سبق التجربة الإعلامية الإماراتية، التي تعتبر رائدة في المنطقة، بل في العالم.. كما يمكن أن تشكل السوق الإماراتية مكاناً مناسباً لعرض وتسويق الصناعات الثقافية الموريتانية، بشقيها التراثي والمعاصر، مثلما أن التجربة الإعلامية الإماراتية تجربة ملهمة أيضاً.
جهد إعلامي عربي
* كثر الحديث خلال السنوات الأخيرة عن تحديات وفوضى الإعلام الفضائي في الوطن العربي، وكذلك الإعلام الجديد مثل مواقع التواصل الاجتماعي.. ما هي فرص إعادة توجيه الجهد الإعلامي العربي -التقليدي والجديد- بصفة عامة، وجعل الحرية المسؤولة والمعايير المهنية سلوكاً وثقافة؟
- أدركنا هذه الإشكالية باكراً، وأدركنا أن حلها يبدأ من الفصل بين المجالات والأنساق، بين الصحافة والمدونين، الفصل التشريعي والقانوني أولاً.
من هنا سننّا قانون «تعريف الخدمة الصحفية» لنحدد من خلاله من هو الصحفي، ثم أتبعناه بقانون «تحديد الصحفي المهني» الذي توضع اللمسات الأخيرة عليه أيامنا هذه.
وقبل هذا كنا أصدرنا قانوناً يتعلق بالجريمة السيبرانية، عززناه -في الأيام الأخيرة- بقانون «حماية الأعراض» الذي يرسم الحدود بين الإساءة والنقد، وبين التجريح والانتقاد.. وخصوصاً أن الاعتبارات الاجتماعية والثقافية والدينية لها اعتباراتها المحددة لمفهوم الحرية وهوامشها.. لقد قطعنا -إذن- شوطاً معتبراً في تحديد الخدمة الصحفية، وفي تعريف الصحفي المهني، وفي ضبط وتقنين النشر، وكان ذلك كله في إطار استراتيجية إصلاح للقطاع، شملت الحزمة الأولى منها -بالإضافة إلى ما سبق- تسوية وضعية رواتب المتعاونين مع المؤسسات الإعلامية العمومية، إضافة إلى تمويل إنشاء (دار الصحافة) حيث ستشكل ميداناً للنقاش والحوار والتكوين سيساعد -دون شك- في بث روح الجدية والمهنية في الإعلام.
قيم التسامح والتآخي والتعايش
قال معالي المختار ولد داهي: في تقديري، فإن «إكسبو 2020 دبي» معرض غير مسبوق حجماً وألقاً، وهو يمثل أبعاداً إنسانية وثقافية، وأخرى اقتصادية وسياسية، فمن الناحية الإنسانية والثقافية يمثل فرصة عظيمة لمزيد من نشر قيم التسامح والتآخي والتعايش والمحبة بين بني البشر، حيث تتلاقى كل الشعوب وكل الثقافات في مكان واحد، لتبرهن على استطاعتها التكامل والتلاقي والتفاعل.. إنه قمة التقاء وتعاون لشعوب الأرض. أما من الناحية الاقتصادية، فهو فرصة لتبادل الأفكار والتجارب حول آلية صناعة مستقبل عالمي مشترك، تسود فيه التنمية والاستقرار، وتذوب فيه كل الفوارق وتتكامل فيه البلدان والشعوب.
وفي البُعد السياسي لإكسبو، فهو تجسيد لفكرة ضرورة تبادل المنافع والمصالح، خاصة بعد الدروس التي فرضتها جائحة كورونا.. تلك الجائحة التي برهنت للعالم على ترابط مصالحه ومستقبله، حيث قد يتأثر الإنسان في أدغال أفريقيا بواقع أخيه الإنسان في أقاصي نيوزيلندا.
* أخيراً، معالي الوزير، ما هي رسالة الثقافة العربية اليوم لتعظيم المشتركات الإنسانية، وتعزيز قيم التسامح والتعايش في المنطقة العربية، ومع العالم؟
- في اعتقادي، أن الخطوة الأولى تتمثل في تجديد الفكر العربي تجديداً يرسخ الإيجابية ويصحح الاختلالات ويصقل من الشوائب والرواسب. وهذا الأمر يتطلب نهضة فكرية تعزز المشتركات عربياً وعالمياً وتقويها وتنميها وترسخُ ثقافة قبول الآخر واحترام التنوع والخصوصية.
المصدر: الوئام