في إطار مواكبة المعدن الإخباري لمجريات الساحة الوطنية، وسعيا منا إلى إطلاع متابعينا الكرام على تفاصيل الأحداث، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، نلتقي اليوم بالأستاذ المكون في مدرسة تكوين المعلمين، محمد ولد الفلاني، أخصائي علم النفس، وهو ممن عايشوا واقع التعليم، وخاصة التعليم الأساسي منه، فكان من رواده الذين واكبوه طلية السنوات الماضية، إضافة إلى كونه من رجال الفكر والثقافة، وله إهتمام كبير بمتابعة ما يجري على الساحة الوطنية، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول واقع التعليم بموريتانيا، إضافة إلى المشاكل التي تعترض العملية التربوية بموريتانيا وتعيقها ومخرجاتها عن بلوغ الأهداف المنشودة.
فأهلا وسهلا بضيفنا الكبير محمد ولد الفلاني ...
المعدن الإخباري: السيد المكون، نريد في البداية أن تعطوا للقارئ كلمة تعريفية عن شخصكم الكريم؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: السلام عليكم وعلى القراء الكرام، شكرا على الاختيار وعلى الإطراء الزائد، باختصار:
الإسم الكامل :محمد ولد الفلاني ولد محمد عثمان ولدت في مدينة تجكجة قبيل حرب الصحراء بسنة ،هناك كان تعليمي الإبتدائي والثانوي حيث حصلت على باكلوريا الآداب العصرية الدورة العادية 1992 وعلى شهادة الدراسات الجامعية العامة 1994 وعلى الإجازة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم الفلسفة 1996 لتبدأ مسيرتي المهنية مع التعليم الحر كانت أبرزها مع ثانوية عقول الواحات بالمعدن ودار العلوم ،ومع العمومي عندما تخرجت من مدرسة تكوين المعلمين سنة الإصلاح (1999) وعودة إلى المعدن من جديد ،لأتدرج في مساري المهني المحصور في ولايتي آدرار وانشيري من معلم إلى مدير فمستشار تربوي إلى رئيس قسم التعليم الأساسي بالإدارة الجهوية بانشيري ثم الإنتقال بعد مسابقة إلى سلك مكون علم النفس بمدارس تكوين المعلمين.
المعدن الإخباري: ما تقويمكم لواقع التعليم في موريتانيا؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: لا خلاف أن التعليم في موريتانيا يعاني اختلالات بنيوية متراكمة منذ عقود وأن جميع محاولات إصلاحه باءت بالفشل، لأنها أعدت بارتجال وتسرع ولا خلاف أن طريق التقدم تبدأ بإصلاح التعليم.
والتعليم يقوم على أربعة أركان هي: المعلم، المتعلم، المنهاج، المدرسة. وما لم تصلح هذه المكونات فأي جهد لإصلاحه سيكون عبثا، فالمدرسون عندنا في حالة سيئة معنويا وماديا فلا يتوقع منهم أن يكونوا محركا للإصلاح بتلك الحال.
ومعظم التلاميذ يعانون الفقر ولذلك لا ينخرطون بشكل فعال في العملية التعليمية.. والمناهج لم تراجع منذ فترة لتلائم التطورات العلمية والتكنولوجية والفكرية الحديثة. أما المدرسة فحدث ولاحرج: تهالك البنايات إن وجدت وعدم مراعاة أغلبها للمعايير الفنية وانعدام الصيانة بالإضافة إلى ضعف التجهيزات والاكتظاظ وانعدام الكتاب المدرسي...
لهذه الأسباب تدنت مخرجات التعليم وجودته. والإصلاح يحتاج إلى إدارة فعالة تملك الوسائل والموارد المالية، فالتعليم الجيد مكلف لذا يجب أن تخصص له الميزانية الكافية وبالطبع أكثر منها تكاليف علاج مخلفات التعليم الرديء.
المعدن الإخباري: ما هي أسباب فشل إصلاحات التعليم في موريتانيا؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: أظهرت بجلاء المشاورات الأخيرة حول التعليم والتي ننتظر بفارغ الصبر المصادقة على مخرجاتها، أن تعليمنا فاشل لأن احلال مقاربة الكفايات محل مقاربة الأهداف أي إصلاح 1999 كان ارتجاليا وغير مدروس، كان قرارا سياسيا لم تمهد له الأرضية ولم تحدد بدقة فلسفته التربوية ولم يفهمه أو يكون عليه التكوين اللازم الطاقم المنفذ له بل أدى إلى شل مجهود معظمهم لأنهم غير قادرين على التدريس باللغة الثانية(الفرنسية) التي صارت في لمح البصر اللغة الرسمية لتدريس المواد العلمية وتهميش الشعبة الأدبية.
ورغم أن فشله ظهر من البداية إلا أننا انتظرنا ما يزيد على العشرين سنة لنقر بفشله بعد ضياع مستقبل العديد من أبنائنا وتبديد الكثير من جهودنا وأموالنا.
المعدن الإخباري: أين تكمن مشكلة التعليم، أهي في المناهج أم في طريقة تدريسها؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: قبل الإجابة على السؤال أشير إلى أنه كثيرا يقع الخلط بين المنهج والمحتوى والمقرر.
المنهاج أو المنهج مصطلح يعني الطريق الواضح وهو مصطلح لاتيني يعني الطريقة (Method) التي يتبعها الفرد لتحقيق هدف محدد. والمنهج Curiculum يشير إلى مجموع ما تقدمه مؤسسات التعليم للتلاميذ لكي تحقق لديهم أهدافا محددة.
فالمنهج منظومة تضم عدة عناصر ومكونات مترابطة، متفاعلة تحقق أهداف تعليمية محددة. وتتكون منظومة المنهج من ستة عناصر هي: الأهداف، المحتوى، طرق التدريس والوسائل التعليمية والأنشطة المصاحبة والتقويم.
وطريقة التدريس هي مجموعة الخطوات والإجراءات التي يقوم بها المعلم وتظهر آثارها على نتائج المتعلمين وبعبارة أخرى هي مجموع الحركات التي يقوم بها المعلم أثناء الموقف التعليمي والتي تحدث بشكل منتظم ومتسلسل لتحقيق الأهداف التدريسية المحددة مسبقا.
كانت تلك التعريفات ضرورية للإجابة على السؤال ولأبين من خلالها أن المحتوى وطرق التدريس جزء من المنهاج وأن العنصر الأول الأهم فيه هو الغايات والمرامي، من الضروري لأي عمل يقصد النجاح أن تكون أهدافه محددة وحاضرة في جميع الخطوات، في ذهن واضع المنهاج وفي ذهن مؤلف الكتاب المدرسي وفي ذهن المشرفين على تطبيق المقرر وفي ذهن المعلم المباشر للمستهدف بتحقيق أهداف التربية، يجب أن تكون الفلسفة التي تنبثق عنها تلك الأهداف واضحة للمعلم ليربط بها أهدافه الخاصة.
فليس من المتوقع أن تفلح التربية في تحقيق الآمال المعلقة عليها إن لم تكن محددة الأهداف ومدققة المنهاج، وهنا تكمن الإجابة على السؤال فمنهاجنا غير محدد المرامي والغايات أي لا يجيب على السؤال لماذا ندرس؟ لذا تاهت بقية عناصر المنهج وضاعت جهودنا!
المعدن الإخباري: هل المشكل اللغوي مشكل سياسي أم مشكل تربوي؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: منذ فجر الاستقلال مر التعليم في موريتانيا بعدة إصلاحات (1959/1967/1973/
1979/1999) ونظرا لطابع الارتجالية والمداراة السياسية وعدم الارتكاز على فلسفة تربوية واضحة الأهداف والمرامي لم تفلح في تحديد ملامح المواطن المرجو القادر على تحقيق الوحدة والانسجام والمساير لعصره، بل أنتجت مجتمعا مقطوع الأوصال تنتعش فيه حساسيات التفاوت العرقي والاجتماعي، ومن أهم أسباب ذلك الشرخ عدم حسم مسألة اللغة العائد إلى أسباب سياسية لا تربوية، رغم أننا يمكن أن نكون اهتدينا أخيرا إلى فوهة القنينة بعد عقود من التيه والدوران دون الاهتداء.
المعدن الإخباري: ما أسباب الفشل في استيعاب الناجحين في مسابقة الباكالوريا رغم أن نسبة النجاح لا تتجاوز 16%؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: عجز التعليم الجامعي عن استيعاب النسب الضئيلة للنجاح في الباكالوريا لا يفسره إلا أحد أمرين: أن يكون فاقدا لاستشراف المستقبل والعجز عن مواكبة النمو الديمغرافي للمجتمع الموريتاني، أو أن الحكومات لا تمنحه التمويل اللازم للقيام بذلك.
فربما الإدارة مسرورة "باطنيا" بهذه النسب الضئيلة للنجاح كسرور الفقير، المملق بموت بعض عياله الذين لا يجد لهم مأوى ولا نفقة، خاصة أنها تضيف شروطا للحد من ولوج الجامعة كاشتراط السن أو معدل معين لمواصلة الدراسة.
ترى هل تفكر الدولة في النسبة الكثيرة الراسبة أو المتسربة كمواطنين تعنى بشؤونهم وتتأثر بها؟
المعدن الإخباري: حبذا لو حدثتمونا عن معاناة المعلم في الريف؟
الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني: للمعلم في الريف معاناة تختلف عن معاناة نظيره في المدن يمكن تقسيمها إلى مرحلتين: قبل ثورة الاتصالات وتغطية الأنترنت لجل المناطق الريفية، وما بعدها.
الحقبة الأولى اتسمت بضعف الراتب وصعوبة التنقل وندرة المساكن الملائمة للسكن مما يحتم على المعلم السكن مع الآخرين في بيت واحد أو كوخ أوخيمة (سند الضعيف على الضعيف) أو اضطرار بعضهم إلى اتخاذ أحد الأقسام مسكنا، وغالبا ما يلقب عند أهل القرى المجاورة بمعلم أهل فلان .. كما يعاني من انعدام أبسط الخدمات الصحية أو بيع المواد الغذائية وغيرها من الضروريات.
أما الآن فالمعاناة أقل نظرا لاستفادة جل الريف من خدمات العولمة التي حولت العالم إلى قرية واحدة، وإن كان العجز عن كبح جماح الارتفاع المتزايد للأسعار يفاقم مشاكل المعلم والمجتمع بصفة عامة.
أما على المستوى التربوي فكثيرا ما يكون معلم الريف وحده يدرس قسمين أو ثلاثة مجمعة، يدرسها جميع المواد العربية والفرنسية في قسم غير صحي غالبا يفتقد جل المستلزمات المدرسية، كل ذلك الجهد يؤديه المعلم بعلاوات زهيدة ولا تمنح في الوقت المناسب. ولمعلمي الريف قصص معاناة مختلفة يشبه بعضها قصص ألف ليلة وليلة....
وفي الأخير أرجو أن أكون قد وفقت في الإجابة على أسئلتكم ،لكم تحياتي وتشكراتي وللقراء الكرام.
شكرا جزيلا الأستاذ المكون محمد ولد الفلاني