"قولوا لا للفساد"
في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام ترتفع رايات الرفض والشجب للفساد في مختلف بقاع العالم تضامنا وتكاتفا من أجل إجلاء مظاهر الفساد التي ترمي بظلالها بشتى الصور، فكلمة الفساد تحمل من المعاني كل ما هو مرفوض نفسيا واجتماعيا وسياسيا، وفي باطنها التعدي على حقوق الغير واستغلال السلطة والمنصب، والمحاباة وغيرها من الموبقات، عليه ودرءا لهذه الممارسة المعطلة للتنمية البشرية فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بالقرار 58/4 في الحادي والثلاثين من تشرين الأول/أكتوبر 2003، وحددت له التاسع من كانون الأول/ديسمبر لزيادة، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في كانون الأول/ديسمبر 2005.
مشكلة الفساد تعد من أعقد المشكلات التي تواجه العالم، فهي ظاهرة تمتد أبعادها لتشمل كافة جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتكمن خطورتها في آثارها السالبة على اقتصاديات الأمم فالفساد يبطئ عجلة التنمية الاقتصادية، ويثبط الاستثمار، وينفر رأس المال مما يؤدي في النهاية إلى تدني الإنتاج، وعلى الصعيد السياسي يؤدي استشراء الفساد إلى تقويض الديمقراطية وتغييب إرادة الجماهير بتأثيره على العملية الانتخابية وتزوير خيارات الشعوب، ومن الناحية الأخلاقية يساعد الفساد على تفشي الرشوة وشراء الذمم وانعدام الرقابة الذاتية على سلوك الأفراد.
وترتبط ظاهرة الفساد بشكل مباشر بنظام الحكم، فالبيئة المثلى للفساد هي الأنظمة الديكتاتورية التي تغيب مكونات الحكم الراشد من شفافية ومساءلة ومشاركة وسيادة حكم القانون، ولعل الناظر لآخر التقارير الصادرة عن المنظمة العالمية للشفافية يرى كيف تتجلى هذه العلاقة بوضوح يؤكد أن الديكتاتورية هي صنو الفساد.
إن الاحتفال باليوم العالمي لمنع الفساد خطوة في الطريق الصحيح، وتأكيد عالمي على استنهاض الهمم وتحريك الساكن وتوظيف الطاقات من أجل الوقوف بقوة لدرء هذه الجريمة التي أودت بالكثير من قيم العدالة الإنسانية وعرقلت المشاريع التنموية في كثير من دول العالم، كما أن في الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد دعوة بلا استثناء لجميع أصحاب المصلحة أن يعملوا جميعا لتجفيف منابع الفساد واعتبار ذلك مسؤولية مجتمعية لا ينبغي أن يتخلف عنها أحد صغيرا كان أم كبيرا ذكرا أو أنثى.
الحكومات والقطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية ووسائط الإعلام، والمواطنون في جميع أنحاء العالم يتضافرون لمكافحة هذه الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر على جميع البلدان، إذ يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية ويبطئ التنمية الاقتصادية ويساهم في عدم الاستقرار الحكومي.
ولذا يؤدي منع الفساد إلى تدشين التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، هذا العام هنالك حملة 2021 ومدتها ستة أسابيع — بدأت مع بداية نوفمبر — وتهدف إلى تسليط الضوء على دور أصحاب المصلحة الرئيسيين والأفراد في منع الفساد ومكافحته تماشياً مع شعار "احفظوا حقوقكم، واضطلعوا بأدواركم، وقولوا لا للفساد".
معهد جنيف لحقوق الإنسان إذ يحتفي باليوم العالمي لمكافحة الفساد يرسل رسالته لدول وشعوب العالم أن تناهض الفساد في أي صورة من صوره الممقوتة، سواء كان هيمنة وتسلطا على الشعوب بالحكم الديكتاتوري ووأد الديمقراطية، أو تعديا على المال العام، أو محاباة وتحايلا على القانون أو ما إلى ذلك، ومعهد جنيف لحقوق الإنسان يؤكد على ضرورة تشديد العقوبة على مرتكبي الفساد، ويناشد أصحاب القرار ألا يدعوا مجالا للفساد، ولا فرصة للمفسدين من الإفلات من العقوبة. يدعو معهد جنيف لحقوق الإنسان جميع الدول أن تجعل العدالة غاية في كل مؤسساتها فهي الترياق الأقوى والضامن الأوفى لمكافحة الفساد ويهيب بالجميع –كل في محيطه- أن يبدأوا في محاربة الفساد بكل أشكاله اليوم قبل الغد.
جنيف 9 ديسمبر 2021م