BBC تتناول قصة بلاد شنقيط من حركة المرابطين وحتى تغيير العلم والنشيد

احتفل الموريتانيون الأحد بالذكرى الـ61 لاستقلال بلادهم عن فرنسا، وهو الأمر الذي تحقق في مثل هذا الوقت من عام 1960.
وتعد الجمهورية الإسلامية الموريتانية إحدى أحدث الدول المنتجة للنفط في أفريقيا، وجسرا بين المغرب العربي وغرب أفريقيا جنوب الصحراء.

ويهيمن التباين الثقافي على هذه الدولة الصحراوية إلى حد كبير، حيث يوجد السكان العرب البربر في الشمال والأفارقة في الجنوب، وكثير من أهلها هم من البدو الرحل.

وفي العصور الوسطى، كانت موريتانيا مهد حركة المرابطين، التي نشرت الإسلام في جميع أنحاء المنطقة وسيطرت لفترة من الوقت على الجزء الإسلامي من إسبانيا.

وبدأ التجار الأوروبيون في إبداء الاهتمام بموريتانيا في القرن الخامس عشر، وقد سيطرت فرنسا على المنطقة الساحلية عام 1817 وفي عام 1904 امتدت الحماية الفرنسية الرسمية على الإقليم.

وموريتانيا غنية بالموارد المعدنية وخاصة الحديد والخام.

وعاصمة موريتانيا هي مدينة نواكشوط، ويبلغ عدد سكانها نحو 3.6 مليون نسمة ومساحتها مليون كيلومتر مربع.

ولكن ما هي قصة موريتانيا والتي تعرف أيضا ببلاد المور وبلاد شنقيط؟

تقول دائرة المعارف البريطانية إن مساهمات موريتانيا في عصور ما قبل التاريخ في غرب أفريقيا مازالت قيد البحث، لكن يشير العديد من الاكتشافات التي لها علاقة بالعصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث في الشمال إلى احتمالات كشوف أثرية كبيرة.

وقد استقر في موريتانيا عبر التاريخ شعوب من جنوب الصحراء الكبرى ومن الأمازيغ (البربر). بحسب دائرة المعارف البريطانية.
وكانت المنطقة مهد حركة المرابطين الأمازيغ، وهي حركة إصلاحية إسلامية تعود إلى القرن الحادي عشر وقد نشرت نمطها من الإسلام، الذي اتسم بالتقشف، من منطقة الصحراء وحتى شمال أفريقيا.
وكانت الطرق التجارية الرئيسية التي ربطت بين الإمبراطوريات اللاحقة في المغرب والجنوب تمر عبر موريتانيا، حاملة الملح الصحراوي ومنتجات البحر الأبيض المتوسط الفاخرة مثل القماش الناعم والمُزركش والورق، مقابل الذهب.
وكانت شنقيط، في الصحراء الوسطى، تلك المدينة الأسطورية السابعة العظيمة للإسلام، مقصدا للقوافل الرئيسية على طول هذه الطرق. وكانت موريتانيا قد عُرفت قديما باسم شنقيط.
كما كان هناك مدينة عظيمة أخرى هي مدينة ولاته، وتقع إلى الجنوب والشرق من شنقيط، وتشتهر بجدران المنازل المطلية بشكل متقن للغاية.
وقد دخلت القبائل الحسانية العربية الصحراء الغربية عبر تلك الطرق، ليحدث تدريجيا اندماج للثقافة العربية الأمازيغية، أو ثقافة المور.

وشكلت قبائل الحسانية والقبائل البدوية الأمازيغية العديد من الاتحادات الإقليمية القوية التي ادعت أنها تعود لأصل أمازيغي أو عربي وصُنفوا باعتبارهم قبائل سلمية ذات طابع ديني.
وقد شكل الصراع بين قبيلة الصناهجة الأمازيغية والحسانية في منتصف القرن السابع عشر، والذي عُرف بحرب بوبا، نقطة مرجعية لتقرير الوضع السياسي والاجتماعي في جنوب الصحراء.

في عام 1442، قام البحارة البرتغاليون برحلة حول كيب بلانكو (كيب نواذيبو) وبعد 6 سنوات أسسوا حصن أرغوين حيث حصلوا على الذهب والصمغ العربي والعبيد.

وقد جذبت تلك السلع نفسها في وقت لاحق التجار الإسبان والهولنديين إلى ساحل موريتانيا في القرن السابع عشر، عندما وجدوا أن الصمغ العربي مفيد في صناعة المنسوجات.

وتنافس الفرنسيون على الوصول إلى هذه التجارة، أولا مع الهولنديين، وفي القرن الثامن عشر مع الإنجليز، وقد سلمت المعاهدات الأوروبية في أوائل القرن التاسع عشر جزءا كبيرا من الساحل الصحراوي للفرنسيين.
البودكاست

وكانت المطالبات الفرنسية بالسيادة على المناطق النائية قد واجهت مقاومة من قبل أمراء مناطق ترازة في جنوب غرب البلاد وبراكنا في الشرق. وكان أمراء تلك المناطق ينتمون إلى الحسانيين وقد سيطروا على وادي نهر السنغال.

ودخل الكولونيل لويس فيدربيه، الحاكم الفرنسي حينها في معاهدات مع أولئك الأمراء في عام 1858، لكن فرنسا لم تبذل سوى القليل من الجهد لممارسة السيطرة على جنوب موريتانيا حتى بداية القرن العشرين.

واستمرت عملية "تهدئة" موريتانيا، كما وصفها الجيش الفرنسي، حتى عام 1912، ووقعت المعركة الأخيرة لإخضاع فرقة زاوية الرقيبات عام 1934.

وأطلق الفرنسيون على المستعمرة لقب "الهدنة العظيمة"، فطالما كان السكان هادئين، كان هناك القليل من الأدلة على الوجود الفرنسي.

وكان بعض الذين استفادوا من الوجود الفرنسي في وضع جيد يؤهلهم لتولي أدوار سياسية بارزة في عام 1958 عندما تفاوضت أول حكومة منتخبة بقيادة مختار ولد داداه مع فرنسا.

وتم إعلان الجمهورية الإسلامية الموريتانية دولة مستقلة في 28 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1960، وأصبحت عضوا في الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1961.

كانت النخبة السياسية الصغيرة التي قادت حركة الاستقلال منقسمة حول ما إذا كان ينبغي أن تتجه البلاد نحو السنغال وأفريقيا الناطقة بالفرنسية أو نحو المغرب القريب وبقية العالم العربي.

وتقول دائرة المعارف البريطانية إن الأمر تعقد بسبب حقيقة أن المغرب، في عهد الملك الحسن الثاني، شن حملة من أجل الوحدة شملت احتلالا مؤقتا لأجزاء من موريتانيا خلال ستينيات القرن الماضي.

وكان التوجه السياسي في عهد ولد داداه يتمثل في توازن حذر بين الجذور الأفريقية والعربية للبلاد. وقد جاء الاستقلال مع علاقات وثيقة مع فرنسا، والمشاركة الكاملة في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي لاحقا)، ولكن أيضا مع عضوية جامعة الدول العربية في عام 1973.

واستمر ذلك الصراع السياسي الذي ظهر في السنوات الأولى بعد الاستقلال لعقود بعد ذلك.

وباعتباره أول رئيس لموريتانيا بعد الاستقلال، بدا ولد داداه راسخا، على الرغم من الإضرابات من قبل عمال المناجم والمظاهرات من قبل الطلاب، لأن سياساته بدت منسجمة مع السكان الذين كانوا إلى حد كبير قبليين ومنخرطين في الزراعة أو الرعي.

وغير ملك المغرب الحسن الثاني سياسته في عام 1969 واعترف باستقلال موريتانيا كجزء من خطته للسيطرة على ما كان يعرف آنذاك بالصحراء الإسبانية (الصحراء الغربية الآن)، وقد اقتسم المغرب وموريتانيا ذلك البلد في عام 1976.

وقد أدت صعوبة قمع حركة الاستقلال الصحراوية بقيادة ميليشيات جبهة البوليساريو في الجزء الموريتاني من الصحراء الغربية إلى سقوط ولد داداه.
المسيرة التي دعا إليها ملك المغرب فانتهت بإعلان "الجمهورية الصحراوية"
ففي يوليو/تموز من عام 1978، أُطيح به في انقلاب عسكري بقيادة رئيس الأركان العقيد مصطفى ولد السالك.

واستقال ولد السالك من منصبه في يونيو/حزيران من عام 1979 وتحت قيادة خليفته العميد محمد محمود ولد لولي، وقعت موريتانيا معاهدة مع جبهة البوليساريو في أغسطس/آب، في محاولة لفك ارتباط موريتانيا بالصحراء الغربية.

وقد أدى ذلك إلى تدهور العلاقات مع المغرب. وقد تم استبدال ولد لولي بدوره في يناير/كانون الثاني من عام 1980 برئيس الوزراء العميد محمد خونة ولد حيد الله.
معاوية ولد سيدي أحمد الطايع.

وفي ديسمبر/كانون الأول من عام 1984، تولى العقيد معاوية ولد سيدي أحمد طايع رئاسة الجمهورية ومنصب رئيس الوزراء من ولد حيد الله في انقلاب أبيض، واستأنفت موريتانيا العلاقات الدبلوماسية مع المغرب في عام 1985 سعيا مرة أخرى لحل النزاع في الصحراء الغربية.

وكان الصراع مع السنغال مصدر قلق آخر بسبب التوتر العرقي، والمنافسة الاقتصادية، والنضال من أجل حقوق الرعي على طول نهر السنغال، والاستياء المتصاعد من الجانبين من الأدوار التي لعبها مواطنو بعضهما البعض في الاقتصادات المحلية.

وفي عام 1989 طردت كل من موريتانيا والسنغال عشرات الآلاف من رعايا كل طرف، وقُطعت العلاقات الدبلوماسية بينهما، وبات البلدان على شفا الحرب.
ولم يتم إعادة العلاقات الدبلوماسية حتى أبريل/نيسان من عام 1992، وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة الأعداد الكبيرة من اللاجئين الذين فروا إلى بلدانهم الأصلية، إلا أنه بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يكن كل الفارين قد عادوا بعد.

وعلى الصعيد المحلي، اتبع ولد الطايع سياسة تعريب صارمة داخل الحكومة وكذلك في النظام التعليمي الأمر الذي اعتبره العديد من الموريتانيين السود تحيزا.
وقد تم قبول بعض مبادرات الرئيس الأخرى على نطاق واسع حيث ترأس العودة إلى الحكومة المدنية وتطوير نظام متعدد الأحزاب، وفتح البلاد أمام صحافة حرة نسبيا، وأطلق دستورا جديدا في عام 1991 كما تعاون بشكل وثيق مع البنك العالمي وصندوق النقد الدولي في إجراء التعديلات الهيكلية وخصخصة الاقتصاد.
وفاز ولد الطايع في وقت لاحق في أول انتخابات رئاسية متعددة الأحزاب في البلاد في عام 1992 وأعيد انتخابه في عامي 1997 و 2003. وقد صاحبت هذه النتائج مزاعم بالتزوير.

في أغسطس/آب من عام 2005، وبينما كان ولد الطايع خارج البلاد، قام ضباط الجيش بانقلاب ناجح حيث ظهر العقيد علي ولد محمد فال، وهو حليف سابق مقرب من ولد الطايع، كقائد للمجلس العسكري الحاكم للعدالة والديمقراطية.

وتعهد ولد محمد فال باستعادة الديمقراطية، وفي عام 2006 قدم استفتاء على إصلاحات دستورية حيث وافق الناخبون بأغلبية ساحقة على التغييرات التي تضمنت قصر فترة الرئاسة على فترتين متتاليتين من 5 سنوات بدلا من 6 سنوات.

وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت في مارس/آذار من عام 2007، أصبح سيدي ولد الشيخ عبد الله أول رئيس منتخب ديمقراطيا في موريتانيا.

وتصاعدت الانتقادات ضد الرئيس ولد عبد الله في الأشهر التي أعقبت انتخابه وتزايدت التوترات في مايو/آيار من عام 2008 عندما عيّن ولد عبد الله عددا من الوزراء الذين شغلوا مناصب مهمة في حكومة ولد الطايع، وكان بعضهم متهما بالفساد.

وفي يوليو / تموز من ذلك العام، وافق البرلمان على حجب الثقة عن الحكومة وهي الخطوة التي أعقبها رحيل ما يقرب من 50 من أعضاء الحزب الحاكم في البرلمان في أوائل أغسطس/آب.

وفي 6 أغسطس / آب من عام 2008، أقال ولد عبد الله عددا من كبار مسؤولي الجيش الذين ترددت شائعات عن تورطهم في الأزمة البرلمانية من بينهم الفريق أول محمد ولد عبد العزيز، قائد الحرس الرئاسي، واللواء محمد ولد الشيخ الغزواني قائد أركان الجيش الوطني.وردا على ذلك، قام الجيش على الفور بانقلاب وعزله من السلطة.

وفي ديسمبر / كانون الأول من عام 2008، أُطلق سراح ولد عبد الله بعد عدة أشهر من الإقامة الجبرية.
ومع استمرار فشل الحكومة العسكرية في إعادة الحكم المدني، فرض الاتحاد الأفريقي في وقت مبكر من العام التالي عقوبات على موريتانيا شملت تدابير مالية وحظر السفر.
وتصاعدت الضغوط الخارجية على النظام العسكري وأدت إلى جولة جديدة من الانتخابات في يوليو/ تموز من عام 2009 عندما تم تثبيت ولد عبد العزيز الذي بات مدافعا عن الفقراء، مع بقاء ولد الغزواني كرئيس لهيئة أركانه ويده اليمنى.
وتميزت رئاسة ولد عبد العزيز بزيادة الاستقرار والأمن والنمو الاقتصادي القوي. وعلاوة على ذلك، أدت مبادراته إلى تحسين مستويات المعيشة بين الفقراء. لكن سياساته كانت قمعية حيث تم قمع المعارضة التي تم التعبير عنها بشكل خاص في شكل نشاط مناهض للعبودية.
وفي أكتوبر / تشرين الأول من عام 2012، أُطلق عليه الرصاص بطريق الخطأ ليتولى ولد الغزواني رئاسة الدولة عندما خضع ولد عبد العزيز للعلاج في فرنسا.
وعلى الرغم من شائعات عجزه، عاد ولد عبد العزيز إلى موريتانيا بعد 6 أسابيع واستأنف رئاسته حيث تم انتخابه لفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات بأكثر من 80 في المئة من الأصوات في يونيو/حزيران من عام 2014.

وقاطعت المعارضة الانتخابات قائلة إن العملية الانتخابية تمت هندستها لضمان فوز ولد عبد العزيز بسهولة.

وفي عام 2017، تم تمرير استفتاء اقترحه ولد عبد العزيز حيث اُلغي مجلس الشيوخ، وأُجريت تغييرات على العلم والنشيد الموريتانيين.

ووصف ولد عبد العزيز، في تصريحاته الداعمة للاستفتاء، مجلس الشيوخ بأنه فائض عن الحاجة ومكلف للمحافظة عليه، لكن خصومه اتهموه بالسعي لإلغاء مجلس الشيوخ من أجل تسهيل تعديل الدستور لصالحه.

وعلى الرغم من المخاوف من أنه سيلغي حدود الولاية الدستورية، إلا أنه لم يسع إلى ولاية ثالثة وبدلا من ذلك أيد ترشح ولد الغزواني في انتخابات 2019.

وفاز ولد الغزواني في الانتخابات بأكثر من نصف الأصوات بقليل، متجنبا جولة الإعادة.

وكان تنصيبه في أغسطس/آب من عام 2019 بمثابة أول انتقال ديمقراطي للسلطة في موريتانيا، على الرغم من علاقته الوثيقة جدا بالرئيس المنتهية ولايته.

وتوقع مراقبون أن تكون رئاسته استمرارا لسياسات ولد عبد العزيز.

في 5 أغسطس / آب من عام 2017، أجرت الحكومة الموريتانية استفتاء دستوريا أفضى إلى تغيير علم ونشيد البلاد.

واعتُمد علم موريتانيا السابق في 1959، ويتكون من أرضية باللون الأخضر، يتوسطها هلال ونجمة خماسية باللون الأصفر.

وترمز النجمة الخماسية إلى أركان الإسلام الخمسة، في حين يرمز الهلال إلى الحياة الجديدة والسعادة والبركة والنور الأول والوقت الجديد، كما يرمز إلى فتح الإسلام كعصر جديد للبشرية. واللون الأخضر هو لون الإسلام، والأصفر يجسد عظمة الصحراء.

وبناء على نتائج الاستفتاء في 15 أغسطس / آب من عام 2017، تم الاحتفاظ بشكل العلم القديم مع إضافة شريطين باللون الأحمر من الأعلى والأسفل، وذلك للرمز أن دماء الموريتانيين ستظل مبذولة دون استباحة أرضهم.

المصدر: بي بي سي العربية