الطرق الصوفية ودورها في إشاعة المحبة ونبذ الكراهية/عالي ولد أعليوت

عرف التاريخ الإسلامي ثراء في مناهج التصوف التي تنشد التزكية الروحية سبيلا للتروي من الرسالة الأحمدية المحمدية، المستبطنة للف أسرار ربوبية الحق أزلا بمظاهر نشر الألوهية أبدا، (هو الأول والآخر والظاهر والباطن). مع أن تنزيل معاني التصوف في مفردات لغوية، لغير ذائق يشبه إلى حد كبير نسبة الأجساد إلى أرواحها، وتتنوع مناهج التربية الصوفية  بتعدد أقطابها  الذين على اختلاف عباراتهم  قد وحدتهم وحدة المشار إليه، وهو الحق سبحانه وتعالى، الذي تتقطع عنده الإشارات والعبارات، وقد يستساغ  ذلك ببساطة تطاول البداهة  بمجرد التذكر- واللب شرط قابلية التذكر- أن المروج غير المريجة لكل مناهج التصوف تتلاقى عند الممد الأوحد، والمفيض الأول بأرث ختم النبوة على مظاهر كتم الولاية، السراج الوهاج محمد صلى الله عليه وسلم حق قدره ومقدره العظيم، القائل أوتيت جوامع الكلم وبعثت لأتمم مكار الأخلاق، وهنا غرة محامد التصوف حين جعل من  الخلق من يهدي بإذنه وقدرته إلى رحاب رياضه، ينثرون درر العلوم الربانية في شتى أنحاء المعمورة، وينشرون قيم التسامح  والأخوة والمحبة، ولعل من أكبر تلك المدارس الطريقة التيجانية، التي نشرت الإسلام في عديد بقاع المعمورة على يد الشيخ سيدي أحمد التيجاني ومريديه، ليتسع مد فيضها بظهور إمام الفيضة التيجانية، الشيخ إبراهيم انياس، فاتح أدغال إفريقيا للإسلام  بقوة السكينة وسلاح التمكين والتمكن المعرفي، لتصل لاحقا شرارة مده الرباني  للصين والهند وأوربا في ملحمة لم يذرف لها من الدموع غير التي هيجتها صبابات أرواح سكرت بمدام معتقة ذكر الله ومحبة رسول الله، وعليه فإن المتمعن بإنصاف فيما بنته الطريقة التيجانية من جسور تواصل، جذبت الملايين عبر العالم إلى الإسلام، سيسجل بارتياح عميق، حمية ونصرة للإسلام والمسلمين، بل  سيسجل بانبهار كيف نجحت هذه المدرسة الروحية في العبور الآمن إلى الأصل، الذي تذوب عنده الفوارق والشرائحية بعد اليقين أن الأكرمية  لمن أتقى حقا وصدقا فقط، إنها الحضرة التي يحسم الإيمان فيها معركة  الشعور بالعنصرية والجهوية، وتتناغم الألوان فيها للناظر بنور الرحمة والسكينة، هنا لا مكان للكراهية التي تترجمها حركات الأشباح عبر هيجان منسوبها الذي تكنه الأرواح غير المزكاة بالفهم السليم من شوب جهام الجمود على صور المظاهر دون التوصل إلى فتق رتق ماهياتها، بل ولا حاجة لسن قوانين لردع الكراهية أو مسيرة لشجبها، لأن قانون الأزل مرشد لغير الغافلين، ولا يتطلب غير الإقبال على الحق والاشتغال به، وإلا فكيف لكلام لين، من شيخ هين، يفيض سكينة وقد لا تطال يده أخشن من سبحته ويصوب الخطأ بامتداح الصواب !  كيف لهذا المربى ان ينجح حيث تتعثر الدولة الحديثة  بعدتها وعتادها وهامش مناورتها، الذي يكفل الإغراء بثرائها والردع بأجهزتها، وقد لا يبلغ تعداد سكانها حجم أعداد اتباع المربى عبر العالم، الجواب هنا واضح وضوح  العيان الغنى عن البرهان، لكنه فقط لمن نور الله قلبه وهو أن المناهج المادية هي مناهج ميكانيكية لا روح بها، وعلى الدولة الموريتانية - ودون استئناس بقوة الأجهزة الأمنية - أن تساير بعناية أكثر، مدارس التصوف والدعوة والفقه كل حسب ما يحسن، بوصفهم سترات نجاة لهذا الوطن المبحر في يم يغص بصرخات منطوقة ومكنونة للشحن الشرائحي، يم تتربص على ضفافه كل قوى الشر المهووسة بالاصطياد في المياه العكرة بحثا عن حجة لتدمير الإسلام والمسلمين، فهل تستوعب الدولة الدرس الماثل أمامها لمدارس تصوف ندرك جيدا أن البعض قد لا يحبها  أو يكرهها بقدر ما يكره تلك الصورة الخلبية الجهامية التي ارتسمت في مخيلته لتلك المدارس، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومهما يكن من أمر فإن المدارس الصوفية أثبتت سلميتها و وسطيتها، في وقت تنتشر فيه الحروب المدمرة عبر العالم، بسبب الغلو والتطرف، وسيبقى لتلك المدارس الروحية في مضمر قلب كل مريد سرائر حب يوم تبلى السرائر.