جنود الفساد لا يصلحون لمعركة الإصلاح/عالي أعليوت

تعاقبت على حكم موريتانيا منذ 1978 عدة أحكام مدنية وعسكرية، ورغم اختلافها في الشكل احيانا، إلا أنها متحدة في المضمون، فنمط التسيير وأساليب الحكم هي نفسها لا تتغير، والنخبة الحاكمة هي نفسها لا تتغير بتغير رأس النظام، وتتخذ كلها من الإصلاح شعارا، ومن الفساد منهجا، وبالتالي ظل الإصلاح المنشود شعبيا يراوح مكانه في أذهان المحرومين، تغذيه الوعود الكاذبة والخطابات الرنانة الهادفة إلى تخضير الشعوب النائمة أصلا، وتعاقبت الاحكام مع مرور الأيام، على هذا النحو من سوء التدبير المدمر، والبلد رهينة إرادة زمرة من النفعيين يعبثون بحاضره ومستقبله، بغطرستهم وعدم كفاءتهم وسوء تسييرهم.

جل الرؤساء الموريتانيين إن لم يكن كلهم، جاءوا إلى الحكم لا يحملون أفكارا إصلاحية يريدون تطبيقها، وقد يكون الإصلاح ليس هدفا بالنسبة لهم، وإنما وصلوا إلى السلطة عن طريق القوة بدافع الخوف على المصلحة الشخصية والطمع في مزايا الحكم، فعندما يضيق الخناق على النظام، وتصبح مصلحة الجميع في خطر، تتحتم التضحية برأس ذلك النظام، حفاظا على جسمه، وبالتالي لا يجد الحكام الجدد بدا من الاعتماد على تركة الرئيس المخلوع من إداريين مرتشين، وتجار انتهازيين، وسياسيين نفعيين، هذا بالإضافة إلى كون الأنظمة الاستثنائية تكون منشغلة في بداية حكمها بتسويق نفسها داخليا وخارجيا، ومضطرة للتنازل لأعداء الوطن في الداخل والخارج وتحقيق مآربهم التخريبية مقابل استتباب الحكم المغتصب.

ظل البلد يسير في هذا النفق المظلم بالظلم والغبن والتهميش وانعدام الرؤية الاستراتيجية المتبصرة وانسداد الأفق، إلى أن جاء الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني، إثر تبادل سلمي على السلطة بين رئيسين منتخبين، وهي سابقة في تاريخ البلد، ستعزز من ثقة الشركاء فيه، وأعلن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني عن برنامج إصلاحي طموح لاقى استحسان الجميع، وانتهج سياسة التهدئة والانفتاح، مما مهد لحصول شبه إجماع وطني حوله، واختفت المعارضة واختفت حدة الخطاب بين الفاعلين السياسيين، وكان من الممكن استغلال هذا الوضع الإيجابي من أجل تحقيق قفزة نوعية على طريق الإصلاح، والخروج بالبلد من تيه الفساد وغياهب ميوعة المفاهيم، إلا أن بقاء المفسدين فراشا منشورا وعهنا منفوشا في مفاصل الإدارة الموريتانية حال وسيحول دائما دون تنفيذ كل البرامج التنموية والأفكار النيرة، ما لم تتخذ إجراءات صارمة لتطهير الإدارة من الفساد والمفسدين، وتمييز الغث من السمين والراجح من المرجوح والفاضل من المفضول.

أعتقد أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بإمكانه أخذ العبرة من التجارب السابقة، وتفادي ما وقع فيه سابقوه من أخطاء فادحة لا تزال الدولة الموريتانية تدفع ثمن نتائجها السيئة، وذلك عن طريق التركيز على محاربة الفساد، وتبدأ هذه العملية بتطهير الإدارة من المفسدين، حتى ولو كانوا أصحاب تجربة وكفاءة، لأن جنود الفساد لا يصلحون لمعركة الإصلاح، وتطبيق نتائج التحقيق البرلماني، ومحاسبة جميع الضالعين في نهب أموال الشعب الموريتاني دون استثناء، وكذلك محاسبة جميع المفسدين المدانين في تقارير محكمة الحسابات، ومفتشية الدولة، وهيئات التفتيش القطاعية. لا بد أيضا من اعتماد معايير موضوعية وشفافة للتعيين في الوظائف العامة، التي ظلت خلال الحقب الماضية حكرا على النافذين، مما أدى إلى ولوج آلاف عديمي الكفاءة إلى الإدارة الموريتانية، وكان لذلك تأثير بالغ الخطورة على جودة الخدمة العامة، زيارة على حرمان ذوي الكفاءة من تبوء المكانة اللائقة بهم، يلزم كذلك تفعيل الهيئات الرقابية وأخذ ما يصدر عنها من توصيات بعين الاعتبار، عندها ستجد البرامج والأفكار الظروف المناسبة لتنفيذها، وسيتسنى للمؤسسات لعب الدور المنوط بها، لأن المؤسسات لا تكون إلا بالرجال أو لا تكون.

وما فضل الأرجاء إلا رجالها     وإلا فلا فضل لترب على ترب