في إطار سياسته الرامية إلى تقديم ما يفيد القارئ، وسعيا منه إلى إطلاع متابعيه الكرام على التجارب التنموية والإنسانية النافعة، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، أجرى المعدن الإخباري مقابلة خاصة مع الإطار الوطني والخبير في مجال التنمية، السيد الشيخاني ولد سيدينا، حاكم وعمدة سابق، فهو ممن خبروا دروب العمل الإداري والتنموي، له تجارب ناجحة فريدة من نوعها في مجالي الزراعة والتعليم، له أيضا تاريخ نضالي مشرف منذ كان شابا يافعا، حيث انخرط في الحركات الفكرية الوطنية وهو لا يزال في سن مبكرة، دفاعا عن القضايا الوطنية الكبرى، نحاوره اليوم حول تاريخه الحافل بالتجارب والدروس والعبر، في لقاء شامل يتناول تاريخ وواقع وآفاق السياسة التنموية في موريتانيا، وأبرز معوقات ومشاكل قطاعي الزراعة والتعليم، كما يتطرق اللقاء إلى أهم إنجازات الإطار والخبير الشيخاني على المستوى الوطني والمحلي.
المعدن الإخباري: السيد الشيخاني، بدأتم مشواركم السياسي بالانخراط في حركة الكادحين، نريد كلمة عن أهدافكم آنذاك وعن تجربتكم الشخصية في تلك المرحلة؟
الشيخاني ولد سيدينا: لم يكن من أهداف حركة الكادحين الحصول على الحكم، كانت فقط لديها مطالب تريد تحقيقها، من بين هذه المطالب تأميم ميفارما، إصلاح التعليم، إصلاح القطاع الزراعي، مراجعة بعص الاتفاقيات مع فرنسا، أما فيما يخص التجربة الشخصية، فإني تعرضت للسجن عدة مرات في نواكشوط وفي ازويرات، وأتذكر أنني قمت بإضراب عن الطعام في بعض المرات في نواكشوط، عملي النضالي في نواكشوط كان من خلال الحركة الطلابية وفي ازويرات الحركة النقابية، وكان دوري هو توزيع وشرح صحيفة صيحة المظلوم، الجناح الإعلامي لحركة الكادحين، وبعد السجن في ازويرات تم تحويلي إلى نواكشوط.
المعدن الإخباري: السيد الشيخاني، يعرف عنكم اهتمامكم بالزراعة، ولكم تجربة رائدة في زراعة الأرز، بدأت من "كرمسين" بداية الثمانينيات، ما هي أهم المشاكل والمعوقات التي تحول دون تطوير القطاع الزراعي الموريتاني وما هي الحلول المناسبة في نظركم؟
الشيخاني ولد سيدينا: نحن نمتلك أراضي خصبة وموارد مائية غزيرة، ولكن مشكلة الزراعة في موريتانيا تكمن في عدم وجود سياسة زراعية رشيدة، سياسة الدولة في هذا المجال تقتصر على تطبيق سياسة الدول الغربية بالوكالة، وهي سياسة التجويع، ولا أدل على ذلك من سياسة تسمين الطيور الأربية المهاجرة على حساب البشر المحروم من الزراعة في منطقة الدلتا.
فيما يخص التجربة الشخصية، فأنا هو أول من أدخل المكننة في ميدان الزراعة، من خلال استصلاح 1000 هكتار سنة 1984 باستخدام آليات 14G، وبصفة مجانية، في حين لا تتجاوز المساحة المستصلحة من طرف الدولة(SONADER) 40 هكتارا سنويا بوسائل تقليدية خلال 10 سنوات، وأنتجت تجربتي في سنتها الأولى 4000 طنا من الأرز الجيد، الشيء الذي كان له الأثر الإيجابي على الزراعة في موريتانيا، وكانت بداية ثورة زراعية، حيث بدأ الإنتاج في تزايد بفضل المكننة.
وقد لاقيت آنذاك معارضة كبيرة من طرف الولاة والوزراء، الذين يعارضون المبادرات الشخصية الهادفة إلى خلق ثورة زراعية، لأنها ستعري السياسة الرسمية في مجال الزراعة، تمت معارضتي من طرف ولاة اترارزة المتعاقبين، بالإضافة إلى 4 وزراء، لكن لما وصل الأمر إلى الرئيس حينها محمد خونه ولد هيداله، قام بزيارة إلى مزارعنا وقدم لي تهنئة خاصة، بوصفي حاكم متميز وأول من يدخل المكننة إلى موريتنيا، وينتج آلاف الأطنان من الأرز في سنوات الجفاف، أتذكر كذلك أنني كنت ضد تقسيم الإسعاف على المواطنين، لأني أرى فيه مفسدة من خلال قتل روح الإنتاج لدى المواطنين.
ينبغي للدولة أن تستثمر في الزراعة والتعليم لأنهما هما أساس التنمية، وينبغي زراعة منطقة دلتا المناسبة اقتصاديا، بدل تسييس السياسة الزراعية، من خلال التركيز على المناطق الآهلة بالسكان حتى ولو كانت أقل مردودية.
المعدن الإخباري: السيد الشيخاني، تجتاح النخيل في ولاية آدرار موجة عطش قضت على آلاف النخيل، وقد تكون هناك أمراض ساعدت في استفحال الضرر، وأنتم لكم تجربة كبيرة في مجال النخيل، ما هي رؤيتكم لهذا الواقع؟
الشيخاني ولد سيدينا: المشكلة مشكلة مياه، وستظل مطروحة ما لم تتخذ حلول جذرية، ونحن نمتلك المال الكثير، وعندنا الشمس والرياح، وهذان مصدران ثمينان، وأنا أقترح استجلاب المياه من البحر وتحليتها باستخدام الطاقة الشمسية، وزراعة المساحات الشاسعة التي تمتد من منطقة "يغرف" إلى تيرس زمور، نفس التجربة موجودة في أكادير في المغرب وفي وهران في الجزائر وفي ليبيا.
المعدن الإخباري: السيد الشيخاني، يرجع لكم الفضل في ثورة التعليم في معدن العرفان، من خلال مدرسة عقول الواحات، التي أنشأتم في منتصف التسعينيات، والتي خرجت الكثير من حاملي شهادة البكالوريا التي لم يحصل عليها أي شخص من أهل المعدن، قبل مدرسة عقول الواحات المختزلة للزمن وللمال، نريد منكم كلمة عن هذه المدرسة، الفكرة والمنهج والنتائج؟
الشيخاني ولد سيدينا: فكرة مدرسة عقول الواحات قائمة على الخلط بين ثلاثة مناهج، المنهج الآنكلوسكسوني الذي يعتمد على نظام الموديلات (LMD) والمنهج الكوري والمنهج المحظري، فنحن ندرس برنامج ثلاث سنوات في سنة واحدة، بمعدل 2100 إلى 2300 ساعة خلال العام(السنة المدرسية 11 شهرا) دون أن يتطلب الأمر حضور أساتذة جميع المواد في نفس الوقت، فيكفي حضور أستاذ واحد حتي ينهي مادته يأتي مكانه أستاذ مادة أخرى، ونطلب من الدولة تطبيق منهج عقول الواحات المختزل للزمن والمال، وعندها ستختزل الزمن على التلاميذ، بحيث أنه يمكن أن يحصل التلميذ على شهادة البكالوريا في سن مبكرة، 14 سنة مثلا، وستقتصد أكثر من ثلثي الميزانية، مقابل ارتفاع نسبة النجاح، كما أن هذا المنهج التعليمي يمكن تطبيقه بأقل من نصف الطاقم التربوي الحالي.
أما فيما يخص النتائج، فهي كبيرة ولله الحمد، كان عدد ناجحي مدرسة عقول الواحات سنويا، يتجاوز عدد الناجحين من ثانويات أوجفت، شنقيط و وادان مجتمعة، بتوثيق من وزارة التعليم، خرجت مدرسة عقول الواحات أعدادا كبيرة من حاملي شهادة الباكالوريا، يعملون حاليا في القطاع العام والخاص، فمنهم الأساتذة الجامعيون، والضباط، المدراء، الأطباء، المهندسون والأساتذة ...
المعدن الإخباري: تم تعيينكم حاكما لعدة مقاطعات مختلفة، وفي ظل حكمين مختلفين، حكم الرئيس السابق محمد خونه ولد هيداله، وحكم الرئيس السابق معاوية ولد الطايع، ما هو تقييمكم لهذين الحكمين، وكيف تعاملتم مع النخب الحاكمة التي يصفها كثيرون بالفساد؟
الشيخاني ولد سيدينا: صحيح عملت حاكما في ظل نظام الرئيس السابق محمد خزنه، وكذلك في ظل نظام الرئيس السابق معاوية، والرئيسان ليسا سواء، فالأول يحقق ويتخذ القرار المناسب، أما الأخير فلا يفعل إلا ما تمليه عليه نخبته الفاسدة، أما فيما يتعلق بعلاقتي بتلك النخب، فكانت علاقة حرب وصراع دائم، الرئيس محمد خونه يتفهمني ويقف إلى جانبي دائما، أما الرئيس معاوية فكان يكتفي بما يصله من معلومات عن طريق نخبته الفاسدة، ويتصرف ضدي رغم أحقية وجدوائية ما أدافع عنه.
المعدن الإخباري: انتخبتم عمدة لبلدية معدن العرفان سنة 2013، ما ذا أنجرتم للبلدية خلال مأموريتكم وماهي معوقات التنمية المحلية وما السبيل لتجاوزها؟
الشيخاني ولد سيدينا: نظرا لقناعتي أن التعليم هو أساس التنمية، حاولت تعميم منهج عقول الواحات على جميع التجمعات القروية للبلدية، لكن نظام الميزانية الموريتاني شكل عائقا كبيرا منع من تحقيق ما كنا نصبو إليه من نتائج، نظرا لتباعد الأقساط المدفوعة زمنيا، وبالتالي لم نتمكن من تسديد مستحقات الأساتذة في الوقت المناسب، مما أدى إلى فشل المحاولة مع الوقت.
أما مشاكل التنمية، فأصلها فساد السياسة العامة للدولة، وحلها يتمثل في الزراعة وفي التعليم، نحن في معدن العرفان ننتج آلاف الأطنان من الخضروات رغم ضعف الدعم الزراعي، ويضيع أغلبها بسبب عدم التسويق، فلا بد من توفير النقل المناسب، وتبريد الفائض من الإنتاج إلى أن تتاح الفرصة المناسبة لبيعه.
المعدن الإخباري: ما هو تقييمكم لحكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟
الشيخاني ولد سيدينا: كما قلت سابقا أولوية التنموية، ترتكز على الزراعة والتعليم، ولا بد من إصلاح جذري في هذين القطاعين الحيويين، والنظام الحالي يبدو أنه يعطي الأولوية للتنمية الحيوانية، وإن كان ثمة اهتمام شيئا ما بقطاع التعليم، لكن بدون إحداث الإصلاحات المطلوبة، وبالتالي أعتقد أن الاستثمار في نظام تربوي فاسد، لن يفض إلى نتائج تتناسب على الأقل وحجم الميزانية المنفقة عليها.
المعدن الإخباري: السيد الشيخاني، بوصفكم عضوا في المجلس الجهوي لولاية آدرار، ما ذا قدم هذا المجلس بعد مرور ما يقارب نصف مأموريته وهل وجوده ضروري أصلا؟
الشيخاني ولد سيدينا: عندما تتوفر الإرادة والكفاءة وروح المبادرة لدى من يقوم على أي مؤسسة، ستكون هناك نتائج لتلك المؤسسة تبرر وجودها، المؤسسات بالرجال أو لا تكون.
المعدن الإخباري: هل من كلمة أخيرة؟
الشيخاني ولد سيدينا: أوصي بالاستثمار في منطقة دلتا، والاستثمار في التعليم على طريقة منهج عقول الواحات، والاستثمار في الطاقة المتجددة.
المعدن الإخباري: شكرا جزيلا السيد الشيخاني على التعاطي الإيجابي مع ما تم طرحه من أسئلة رغم حالتكم الصحية، نرجو لكم الشفاء.
أجرى المقابلة عالي ولد أعليوت