المعدن الإخباري: لا يستغرب أن تكون غينيا كوناكري مسرحا للانقلابات العسكرية، والمواجهات السياسية العنيفة، نظرا لتاريخها الحافل بالدكتاتورية، ولكن المستغرب هو سقوط رجل القانون والسياسي المتمرس الفا كوندى في فخ الإقلابات من جديد، وهو الذي ناضل من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية في غينيا طيلة عقود من الزمن، نضال جعل الغينيين يمنحونه ثقتهم نهاية 2010، ليمكث في السلطة أزيد من عشر سنوات، كانت كافية لتمكينه من تجسيد ما كان يحمله ويدافع عنه من قواعد وقيم الحكم الرشيد.
وصل كوندى إلى كرسي الرئاسة يوم 21 ديسمبر 2010 وتعهد في خطاب تنصيبه بأنه سيكون منديلا غينيا، وحقق الكثير من الإنجازات، حيث عرفت الدولة نموا معتبرا بين 2014 و2017 بلغ متوسطه 4%، بينما بقي معدل البطالة ثابتا عند مستوى 4,5%، وشهد التضخم تراجعا من 20 إلى 10%، كما تراجع الدين العمومي من 68 إلى 19%، في حين وصل الفائض إلى 0,6% سنة 2017 بعدما كان العجز العام يبلغ 14% عند وصول الرئيس كوندى إلى الحكم سنة 2010.
كان من المنطقي أن يكمل الرئيس مسيرته السياسية بصفة ديمقراطية، وفاء لتاريخه النضالي، ولمبادئه التي تشبث بها ردحا من الزمن، قبل أن يوسوس له شيطان الرئاسة، ويقرر نهاية 2019 تعديل الدستور، حتى يتمكن من الترشح لمأمورية ثالثة، بعد ما كان ذلك ممنوعا دستوريا، الشيء الذي أدى إلى احتقان سياسي في البلد، كانت نتائجه كارثية، حيث راح ضحيته عشرات القتلى، جراء قمع المظاهرات المناهضة لتعديل الدستور، وزاد من الاحتقان السياسي فوز الرئيس كوندى في الشوط الأول من الانتخابات الرئاسية ب 59,5% من الأصوات، رغم الدعاء خصمه الرئيسي سلو دالين ديالو الفوز بالرئاسة.
ما حصل للمناضل السياسي التاريخي، ورجل الفكر الفا كوندى لا يمكن تفسيره عقلا، لأن المنطق يأباه والعقل يمجه، لكن لسان الحال يقول إن حب السلطة أقوى من الفكر والثقافة، الأمر الذي حدى بالرئيس الغيني إلى أن يسلك مسالك إخوة له أفارقة كثيرين يجمعهم الخروج من السلطة قهرا، ويفرقهم المصير، سجنا أو موتا أو نفيا.
وكان الجيش الغيني قد أطاح بالرئيس الفا كوندى البالغ من العمر 83 عاما يوم 5 سبتمبر2021، وعطل العمل بالدستور، وحل الحكومة والبرلمان، وتعهد بإجراء تشاور وطني يفضي إلى عودة آمنة إلى الحياة الدستورية.