تغير عادات الزواج في موريتانيا يقصي طقوسا كثيرة

إذا استقرأنا مسار الزواج في المجتمع الموريتاني، خصوصاً شريحة البيضان العربية، فسنجد أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية أثرت على الطقوس والعادات المرتبطة به بصفة جذرية.

ابنة العم

كانت سلطة القبيلة القائمة على القرابة النسبية في المجتمع الموريتاني، تفرض على الرجل الزواج من ابنة العم من دون غيرها. ونظراً إلى انزواء كل قبيلة بكيانها وفضائها الجغرافي، وطبيعة الحل والترحال، فقد كان صعباً على الرجل والمرأة التعرف على أشخاص من قبائل أخرى. 

ورسخت الأمثال الشعبية هذا التوجه، إذ يقال إن "بنت العم سروال الراجل"، ومعنى ذلك أنها ترس الرجل الذي يحميه من الزمان وتقلباته.

وعادة الزواج من ابنة العم معروفة في المجتمع العربي قديماً وحديثاً، لكن مجتمع المدينة في موريتانيا لم يعد يعبأ بها. 

ويقول محمد الأمين ولد محمد موسى، أستاذ علم الاجتماع في جامعة نواكشوط، "يتميز المجتمع العربي الموريتاني بسرعة قابليته للتحول من عادات إلى أخرى مناقضة لها، وتلك المرتبطة بطقوس الزواج مثال حي على ذلك، فقد اختفت كثير من مظاهر التحفظ التي كانت تفرض على العروس، ولم يعد لابنة العم ألقها الذي كان لها سابقاً. ويمثل المقطع الشعري الشعبي الشائع ذلك "اللي تلهي/ واللي تمكن... يسو منهي/ واسو من من"، أي التي تغريك بحبها لا يهم من هي ولا لأي قبيلة تنتمي. كما أن تحذير الأطباء من مخاطر الأمراض الوراثية أسهم في تحرير المجتمع من فكرة الزواج من ابنة العم.

ويشير موسى إلى أنه "منذ موجات الجفاف التي ضربت البلاد في سبعينيات القرن الماضي، وما نتج عنها من هجرات واسعة إلى المدن، عرفت العادات والقيم التقليدية تغيرات أذهلت الباحثين الاجتماعيين في سرعة وتيرتها. ففي حين حافظت الشرائحية والطبقية على بعض قيمها التي ظلت بموجبها القيادة الروحية والدينية حكراً على فئة معينة، فإن عادات وتقاليد الزواج شهدت تغيرات جذرية". 

هكذا، اختفى الزواج القسري التقليدي الذي يقوم على القرابة في المدن، وضعف تأثيره في الأرياف إلا أن نظام الأبوة وسلطة الرجل لا يزال مهيمناً. وهذا ما يحد من حرية النساء في الاختيار، بعكس الرجل.

مهندسة الزواج

تحظى المرأة العربية الموريتانية بمكانة قيادية في الأسرة تفوق مكانة الرجل. فمثلاً هي من يبلغ بالخطبة وقبولها ورفضها، وهي التي تستقبل الصداق، ولها رأي مسموع في تنظيم الحفل وتحضر مجلس عقد الزواج لتملي شروط البنت نيابة عنها.

لا سابقة ولا لاحقة

هذا الشرط من العادات التي بقيت راسخة، على الرغم من رفضه من قبل دعاة التعددية الزوجية، خصوصاً أنه يلزم الرجل بتطليق زوجته السابقة، والتعهد بعدم الزواج مرة أخرى، إن أراد الزواج مجدداً. وتتشبث النساء الموريتانيات بهذا الشرط وهو المعتبر عند جهات التقاضي.

من الشفهي إلى الموثق

لم يكن المجتمع الموريتاني التقليدي يوثق عقود الزواج، إنما يكتفي بتصريح الشهود أمام الولي ووكيل المتزوج وهي مسألة طبيعية في مجتمع بدوي يتتبع مساقط المطر، ولا يوجد فيه أي مظهر من مظاهر الدولة. ثم إن عملية الزواج في تلك الفترة كانت تتم بين أفراد ينتمون لقبيلة واحدة تحكمها ثقة مشتركة وانتماء اجتماعي واحد. 

أما اليوم، فقد أصبح التوثيق يفرض نفسه على الزواج، لأنه يرتبط بمنظومة الرواتب والإحصاءات ونظام الحالة المدنية العامة.

عادات وطقوس اختفت أو تغيرت

من عادات و طقوس الزواج التي اختفت في مجتمع المدينة  "الترواغ" و"شاة العادة" و"حوصت العروس".

"الترواغ": وهو إخفاء العروس عن الزوج، حيث ينقسم المحتفلون إلى فريقين، أحدهما مناصر للزوج يسعى إلى تلبية رغباته، وثانيهما، معاد له. ولأن حرمانه من التمتع بزوجته في الأيام الأولى للزواج هو أهم ضربة يمكن أن توجه إليه، فإن هذا الفريق يعمل على اختطافها والاحتفاظ بها في مكان مجهول مدة سبعة أيام على الأكثر وثلاثة أيام على الأقل. 

اقرأ المزيد

ويجب على الزوج ومناصريه البحث عن العروس، وخلال ذلك قد تحدث مواجهات بين الطرفين وغالباً ما تكون النساء ضد العريس.

ويهدف "الترواغ" إلى إبراز الأهمية التي يوليها الرجل لزوجته، فإن ضاعف جهود البحث وأظهر الانفعال والغضب دل ذلك على حبه لها.

"شاة العادة": وهي شاة، ويحبذ أن تكون من الضأن يعطيها العريس لشباب الحي بعد اكتمال مراسم العقد مباشرة. وقد اختفت هذه العادة منذ السبعينيات، ولم يبق لها وجود إلا في بعض المناطق البدوية، وحلت محلها عادة تلزم العريس بإعطاء صديقات العروس كماً من الحلوى يسمى "بونتِ"، التي قد تستبدل بالمال. وهي عادة لها حضور قوي في مجتمع المدينة اليوم. 

"حوصت لعروص": وهي مبلغ مالي يعطيه الزوج في الحفل الغنائي الذي تزف فيه العروس إليه، وهو حق للفنانة المشرفة على الحفل، وقد تأخذه المرأة التي تولت تزيين العروس.

"كص الدم": أي أن يخصص أهل العروس هدايا للرحم الأقرب لعريس ابنتهم، وتشمل لائحة المستفيدين أبويه وأعمامه وإخوة أمه. وهذه العادة أكثر شيوعاً في مجتمع  الأغنياء، لما تتطلب من تكاليف مالية كبيرة. 

"تمراك الأسبوع": هدية الأسبوع الأول للزواج، إذ على الزوج في صباح اليوم الثامن أن يرسل لأهل الزوجة هدية معتبرة، تشمل الملابس والعطور والأحذية. وهذه العادة اختفت، وإن كان الزوج لا يزال ملزماً بتقديم هدية لعروسه خلال الأسبوع الأول.

آداب الأسبوع الأول للزواج: يلزم المجتمع العروس خلال الأسبوع الأول أو الأيام الثلاثة الأولى بجملة من الواجبات منها: عدم إظهار الفرح، والتحجب وعدم الحديث مع أي شخص، وألا تأكل بيدها ولا أمام الناس. 

أما الزوج فإنه يحظى خلال هذه الأيام بكامل التكريم، ويكون له مرافق خاص من أصدقائه يسمى باللهجة الحسانية "سنبيت لعريس"، أي خادمه. ولا ينادى الزوج طيلة هذه الأيام باسمه المعروف، إنما بلقب "ملاي".