الدكتور المختار ولد عباد : كل ملقح يعني سرير إنعاش فارغ في المستشفى (مقابلة حصرية)

في إطار سعيه المستمر لثقيف المواطن، وتنوير الرأي العام الوطني حول ما يجري وما يفيد، ونظرا لأهمية ومحورية القطاع الصحي في حياة المواطنين، أجرى المعدن الإخباري مقابلة حصرية مع الدكتور المختار ولد عباد، طبيب ممارس ملحق بالإدارة العامة للصحة؛ من أجل تسليط الضوء على الواقع الصحي للبلد، تعريف المواطن بالقطاع الصحي، الهيكلة والخدمات، وكذلك الثقافة الصحية والغذاء الصحي، بالإضافة إلى توعيته حول خطورة فيروس كورونا.

المعدن الإخباري:  السيد الدكتور  نريد في البداية كلمة عن النظام الصحي في البلاد، الهيكلة والخدمات ؟
الدكتور المختار ولد عباد : يمكن تصوير النظام الصحي في موريتانيا على غرار الكثير من البلدان المجاورة على شكل هرم حيث يبدأ من الأسفل الى الأعلى، وحسب الخدمات المطلوبة من المؤسسة الصحية : نقطة صحية تكون فيها الخدمات القاعدية - التثقيف - الإرشاد- الإسعافات الأولية والتلقيح ثم بعد ذلك يأتي المركز الصحي ويكون به طبيب + قابلة + خدمات التقطية الصحية + مختبر وخدمات إضافية أخرى كالأسنان والأشعة مثلا ؛  ثم يأتي في المرتبة الثالثة مركز استطباب درجة أولى ويكون به تخصصات أخرى ومصالح منها مصلحة الولادة بشكل متكامل وبها غرفة عمليات خاصة + مصلحة حديثي الولادة + سريرين للإنعاش على الاقل + مصلحة للطوارئ + غرفة عمليات + مصلحة للأشعة + مصلحة للمختبر + مصلحة للإستشارات الخارجية + خدمات المركز الصحي؛  ثم يأتي رابعا المركز الإستشفائي ويكون به كافة خدمات مركز الاستطباب درجة أولى + فحوص وعلاجات متخصصة ومصلحة إنعاش طبي وغرف عمليات لجميع التخصصات الجراحية؛  واخيرا يأتي المركز الاستشفائي المرجعي وهو اعلى هرم للاستشفاء وتكون به جميع خدمات المؤسسات الأخرى بالإضافة الى تجهيز احسن والقدرة على البحث والتكوين والتكفل بجميع الحالات التي يفترض أنها مرت بهذا المسار الهرمي من القاعدة الى القمة.

      
المعدن الإخباري : كثيرا ما نسمع كلمة الثقافة الصحية،  ما معنى ذلك ؟
الدكتور المختار ولد عباد : الثقافة الصحية هي الحد الأدنى الذي يلزم كل شخص من المعرفة عن صحته، والذي يمكنه من الانتباء وإدراك خطورة الأمراض،  وأهمية الوقاية منها، والتداوي ومعرفة طرقه،  وهو أمر يكاد يكون  معدوما لدى الموريتانيين،  نظرا لعوامل عدة،  منها البداوة واللامبالات، والاعتقاد في تجارب تقليدية متوارثة،  وعقلية لا تحترم التخصص ولا تؤمن كثيرا بالعلم وبتطوره وبالثقافة الصحية، يمكننا ان نتفادى الكثير من الأمراض وتعقيداتها التي تفتك بنا ومنها مثلا معرفة مخاطر التدخين ، أهمية الرياضة ، الوقاية من السرطانات، والتشخيص المبكر لها، أهمية الكشف عن السكري والضغط والأعراض المعدية مثل الكبد ونقصان المناعة وعدم مخالفة إرشادات الطبيب حول اي مرض كان، ومراجعته عند الحاجة.

     
المعدن الإخباري: ينصح الأطباء دائما  بالتغذية الصحية، ما هي التغذية الصحية ؟
الدكتور المختار ولد عباد : العقل السليم في الجسم السليم كما يقال، والصحة الغذائية والتغذية السليمة ركيزة أساسية من ركائز الصحة، ويعتبر النظام الغذائي لدينا نظاما غير صحي بتاتا نظرا لاعتماده أساسا على اللحوم الحمراء وبشكل كبير دون المكونات الأخرى من خضروات وفواكه ولحوم بيضاء وغيرها، ونظرا كذلك لفوضوية الطعام لدينا حيث نعتمد على الكم لا الكيف وفي هذا الصدد ننصح بإدخال وجبات غذائية غنية بالخضروات والفواكه والتقليل من اللحوم الحمراء الى وجبة او وجبتين أسبوعيا.
   

المعدن الإخباري: السيد الدكتور، نريد توضيحا حول كوفيد الموجة الثالثة وآليات الوقاية ؟
الدكتور المختار ولد عباد : كوفيد١٩ في الحقيقة جائحة أرقت العالم ومتلازمة فتاكة، وكما تعلمون فإن الطفرة أو ما يعرف بالتحور الجيني، هي خاصية من خصائص الفيروسات، هذا الفيروس مر بمراحل عدة، أولها انتشار العدوى عن طريق الإختلاط، ثم مرحلة الانتشار الأفقي والعدوى المجتمعية، ثم التحور ثم الانتشار لسلالات جديدة غير معروفة لدى مناعة الإنسان،  اما سبل الوقاية منه فهي تتمثل في الإجراءات الروتينية، من نظافة وغيرها، كما ان الوقاية أصبحت الآن تعتمد بشكل كبير على التلقيح ضد الفيروس، نظرا لنسبة الامان والفعالية التي شهدها العالم في اللقاحات التي اعتمدت حتى الآن من طرف كافة البلدان والمنظمات ذات الصلة، مثل منظمة الصحة العالمية وغيرها، وبالتالي فإننا كأطباء ومن منطلق مسؤوليتنا وأمانتنا العلمية فإننا ننصح بأخذ المتوفر من هذه اللقاحات والالتزام بالاجراءات الأخرى والمساهمة بشكل ايجابي في المجهود الوطني لمكافحة الجائحة. 
         
المعدن الإخباري : بعد ما يزيد على سنة من ظهور هذه الجائحة، ماهو مستوى تعاطي المواطنين مع كوفيد١٩ ؟ ماهي الخلاصة التي حصلت عندكم كعلاج ؟
الدكتور المختار ولد عباد : تعاطي الناس كان سلبيا الى حد كبير، نظرا لضعف الثقافة والوعي الصحي لدى الناس بشكل عام، وكذلك سرعة انتشار الشائعة والاخبار الكاذبة، وعدم وجود إعلام ومحتويات سمعية بصرية ذات جودة عالية، من شأنها توعية الناس وإقناعها بالوباء وخطورته، وأهمية التلقيح ضده، إلا انه ورغم ذلك فإن الناس بدأت تعي ان المرض موجود وقاتل، عندما أصاب كثيرين، وراح ضحيته الكثير من الأرواح كان من بينها ذذوا واقارب المشككين في وجود المرض، واعتقد ان نفس الشيء سيحصل مع اللقاح وارجوا ان يكون بنسبة اقل وان يستفيد الجميع وان لا تفوته فرصة التلقيح ضد هذا الفيروس القاتل. 
  
المعدن الإخباري : السيد الدكتور منكم أن تشرحوا للمواطنين التحور الفيروسي - درجة الخطورة والتغلل والانتشار المجتمعي ؟
الدكتور المختار ولد عباد : التحور الفيروسي هو عبارة عن تغيير الصيغة الوراثية للفيروس، وذلك من خلال تغيير ترتيب الأحماض الأمينية المكونة للشفرة الوراثة، أو تغيير لبرواينات السطحية وهاتان الحالتان شوهدتا عند فيروس كورونا، رغم أن المعلومات العلمية حول هذا الامر لا تزال تحت التحديث، ولكن بشكل عام هذا هو معنى التحور او الطفرة الوراثية ، اما عن الانتشار المجتمعي فإن الفيروس انتشر في البلاد وبشكل كبير جدا، وبشتى أنواعه، ولكن نظرا لظروف مناخية ونظرا للإجراءات المتخذة أيضا وكذا متوسط العمر لدينا وعدم وجود أمراض مزمنة متداخلة لدى الطبقة الحية، بقي المرض دون اضرار كبيرة على الاقل في عداد الوفيات. 

   
المعدن الإخباري : ما هو سبب ارتفاع الإصابات في بعض المناطق مقارنة مع مناطق أخرى، انواذيبو مثلا ؟
الدكتور المختار ولد عباد : يعود الأمر في اعتقادي الى المناخ من جهة ومن جهة أخرى كون انواذيبو مثلا مدينة كبرى من الناحية الديمغرافية وحدودية أيضا ربما عوامل من بين أخرى جعلتها الأكثر تضررا، هذا بالإضافة إلى كونها تشكل وجهة في الوقت الراهن لكثير من الأسر والأفراد الراغبين في قضاء العطلة الصيفية في أجوائها الباردة. 
 
المعدن الإخباري : ما هي درجة جاهزية المنظومة الصحية والمجتمع للتعاطي مع الوباء ؟
الدكتور المختار ولد عباد : الوباء باغت البلاد كما حدث مع جميع دول العالم، وقد انهارت منظوماتها الصحية جميعا، نظرا لسرعة الانتشار وكثرة الحالات الخطيرة وتوافدها في ان واحد، إلا ان موريتانيا كانت من بين الدول الأوائل التي بادرت باتخاذ حزمة من الإجراءات الوقائية، منها تعزيز الطاقة الاستعابية للمستشفيات، وخاصة مضاعفة أسرة الإنعاش ومصانع الأوكسجين، وإعادة توزيع هذه الأسرة، واقتناء أجهزة تنفس وتجهيزات ذات صلة، وغير ذلك، إلا أنه على كل حال عندما تحدث الكارثة وينتشر الفيروس، لا قدر الله لا قدرة، فإن موريتانيا بوسائلها الحالية لا قدرة لها على مواجهته، وهذا ما جعلني أركز في اجوبة سابقة على أهمية التلقيح، لأن كل ملقح يعني سرير إنعاش فارغ في المستشفى، وهنا يمكن ان نكسب المعركة، كما ان لدينا ما يساعدنا على ذلك، من توفر اللقاح مثلا، وقلة تعداد السكان، والطاقة الحية منهم، حيث لا تتجاوز موريتانيا أربعة ملايين نسمة، واعتقد انه عندما تصل نسبة التلقيح الى مليون سيكون ذلك نجاحا باهرا، وكسبا للمعركة أمام هذا العدو متناهي الصغر.    

المعدن الإخباري : هل لدينا عجز او نقص او مشاكل في تشغيل أجهزة الأوكسجين ؟هل لدينا كوادر متخخصة في المجال؟ 
الدكتور المختار ولد عباد : ليس لدينا أي عجز الى حد الان في إنتاج وتشغيل مصانع الأوكسجين، الا ان ذلك قد يحدث عندما يتفاقم الوضع وتكتظ المستشفيات، وهذا حدث في جميع دول العالم والتي كانت لديها منظومة صحية جاهزة، فما بالك بنظام جهز على وجه السرعة، أعتقد أن المختصين والفنيين في هذا المجال ليسوا كثيرين، ولكن الى حد الساعة لا تزال لدينا الكفاية حسب معلوماتي، مع أنه يمكن التعاقد مع أطباء  او الاستعانة بدول صديقة إذا اقتضت الضرورة. 

المعدن الإخباري : نطمت في الآونة الأخيرة قافلة طبية إلى آدرار، هل هي تجربة ناجحة ؟ وماهي الاختلالات ؟ وهل استفادت منها الساكنة الاستفادة المطلوبة ؟
الدكتور المختار ولد عباد : بشكل عام تسمي قافلة طبية او حملة طبية كل عمل تقوم به مجموعة أطباء، قررت التنقل بوسائلها وأجهزتها لتوفير خدمات طبية لمنطقة لا توجد فيها أصلا هذه الخدمات، وتعتبر هذه السنة حسنة وقد دأب عليها كثيرون من اهل الخير، إلا أنها مثل الكثير من الأمور، تم تمييعها مؤخرا واستغلالها لأغراض أخرى بعضها نفعي وبعضها سياسي الخ. 
ما يخص قافلة ادرار ومستوى نجاحها، أعتقد انها كانت دون المستوى من ناحية التسيير والتنظيم وجودة الخدمات، و كانت فعاليتها كذلك مقارنة مع الغلاف المالي الذي تحصلت عليه، كما أنها تخللتها أخطاء فنية فادحة، وكان لديها نقص كبير في الوسائل واللوازم الجراحية،
اعتقد أن أي عمل كهذا لا يكون بإشراف مباشر من طبيب لديه خبرة في المجال محكوم عليه بالفشل، فهو عمل طبي فني بحت لابد له من دراية بتسيير الفرق أولا، وتنسيقها، ثم تحديد اللوازم بناء على طلبيات يقدمها كل فريق، ثم بعد ذلك التنسيق مع الفرق الميدانية الموجودة في المنطقة المستهدفة، لإشراكها وأخذ الرأي منها، فهناك أمور لا ينقصها سوى تجهيزات مثلا، وهناك أمور ينقصها كادر بشري، وهناك أمور أخرى ينقصها كادر بشري وتجهيزات، كما ان التكفل بأي مريض يتم علاجه ينبغي أن يكون كاملا من المعاينة الأولية الى تسيير وتقويم المضاعفات المحتملة وبالتالي فان هكذا عمل يحتاج من يتقنه ومدرك لكل جوانبه.

شكرا جزيلا السيد الدكتور المختار ولد عباد على ما منحتمونا من وقتكم الثمين، وعلى المعلومات العلمية المفيدة، وفي الأخير نشكركم مرة أخرى ونتمنى لكم التوفيق.