اليوم تناقش لجنة العدل والداخلية مشروع قانون "حماية الرموز الوطنية وتجريم المساس بهيبة الدولة وشرف المواطن"، تمهيدا لإحالته للجلسة العلنية خلال الأسبوع المقبل، وهو قانون خطير وانتكاسة حقيقية للحريات، ولا بأس بملاحظات حول هذا المشروع:
_ هذا القانون مجرد حلقة جديدة ضمن حلقات سبقته في قوانين ظاهرها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب، مثل قانون المعلومات الذي يهمل مغالطات المسؤولين وتزوير الواقع، ويسجن المدونين حين نشر معلومات غير دقيقة، وقد لاحظتم جميعا ما تم من تضييق بعد صدور هذا القانون الظالم حيث تبنته الأغلبية المحكوم بها، مع الأسف، فمررته دون أي تعديل، رغم تصويت الأقلية ضده!
_ أكثر من 90% من مضمون القانون منصوص في قوانين أخرى، فالمساس بثوابت ومقدسات الدين الإسلامي أو بالوحدة الوطنية والحوزة الترابية _ مثلا _ كانت مجرمة أصلا، وصون هذه الأسس منصوص دستوريا وقانونا، وتكرار ذكرها الآن في مشروع قانون جديد مجرد "تغلاظ الفتله" لبيت القصيد، أي التبويب على رئيس الجمهورية شخصيا، وهذا زجّ بالرئيس وتعريض به في معركة هو في غنى عنها، ولديه من مشاكل المواطنين الصحية والتعليمية والأمنية والتنموية ما يستوجب منح الأولوية بدل هذه الترهات.
_ جَمَع المشروع الجديد بين المقدسات الدينية والحوزة الترابية وشخص الرئيس والعلم والنشيد الوطني الخ، وهذا أمر غريب، حيث يتم الجمع بين مسؤول ذي مأمورية محددة، يخطيء ويصيب، ويمارس السياسة ويعبر عن مواقفه وآرائه بحرية مطلقة ويتمتع بحصانة أثناء مهامه، وبين رموز وطنية ثابتة ومستمرة وترمز للوطن كله ولا تمارس مواقف ولا تظلم أحدا ولا تخطيء في حقه، وهذا عبث حقيقي. كما أن رفع النشيد إلى مرتبة العلم المنصوص دستوريا غير منهجي هو الآخر، ثم ما هي إهانة النشيد تحديدا؟ هل هو نقد كلماته أو لحنه؟ يجب أن نتذكر أن العلم بلونه الجديد والنشيد الحالي قد جاءا في ظروف استثنائية طبعها الكثير من القمع والانقلاب على مجلس الشيوخ، وجاءت إثر استفتاء دستوري مزوّر، صوّتَ فيه بعض الموتى!
_يجرم مشروع القانون الجديد ما يسميه "النيل من من الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة وقوات الأمن أو زعزعة ولائهم للجمهورية" وهذه ميوعة واضحة، فمثلا يمكن أن يقال إن الكلام عن ضعف رواتب عناصر الأمن والجيش يضعف ولاءهم أو يمس معنوياتهم. كما أن تجريم المشروع لتصوير ونشر وتوزيع أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن أثناء أداء مهامها فيه لغم آخر، لأنه لم يفرق بين تحرك الجيش وقوات الأمن توفيرا للأمن، وبين ممارسة أعمال مخالفة للقانون مثل القمع وضرب المواطنين، فمثلا كيف كنا سنعلم بما حصل لساكنة تيفريت ونشطاء البيئة في الزويرات وما تعرض له الطلاب من تنكيل وسحل وضرب لولا التصوير؟! إن تصوير هذه المشاهد توثيق لوقائع وليس تهديدا للأمن.
_ إن شرف المواطن الذي أدمج في عنوان النص، تم دوسه بهذا النص الذي لم يتطرق له باستثناء جملة عابرة عن نشر الخصوصيات وهو فعل مجرم أصلا. كما أن النص على تجريم تجريح المسؤولين بما يتجاوز أفعاله التسييرية إلى ذاته كلام حشو لأن المسؤول خارج أداء مهامه يحميه ما يحمي المواطن عموما، والسب والقذف والتشهير أفعال مجرمة أصلا.
_ لقد قسم النص المواطنين إلى ثلاثة أقسام: رئيس جُمع مع المقدسات الدينية والحوزة الترابية، ومسؤولين بُوب عليهم دون غيرهم، ومواطنين عاديين بل من "الدرجة الثالثة" من هذه الزاوية، وهذا يناقض العدل والواقع وسباحة خارج الزمن، لقد جاء هذا النص من سياق تم تجاوزه منذ حوالي ربع قرن!
ختاما، يجب إسقاط هذا القانون، وهذا قد لا يتَأتّى بحكم هيمنة حزب الحاكم على البرلمان، ولكن إن مُرر هذا المشروع على النظام أن يزيد سعة سجونه، فالشعب الموريتاني لن يفرط في حريته ولا في حقوقه بسبب نصوص صيغت برؤية قاصرة في ظرف استثنائي، ولقد مر الشعب بظروف أصعب من هذه، وقدم في كل مرحلة من التضحيات ما يناسب أهمية الوطن ومقتضيات الحرية.
إن الشعب والتاريخ والوطن يسجلون!