أمام أي قضية تشغل الرأي العام الوطني, يكون من الوارد مخاطبة هذا الرأي العام بما تجود بيه القريحة, ولو كان متواضعا, مساهمة في إثراء ساحة الفكر والحوار الوطنية, لا سيما إذا تعلق الأمر برئيس حكم البلاد بيد من حديد أكثر من عقد من الزمن, مثل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز, الذي يواجه حاليا تهم الفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع وسوء التصرف في الوظيفة والإضرار بمصالح الدولة، وذلك على خلفية تقرير للجنة تحقيق برلمانية قالت إنها كشفت تجاوزات وسوء تسيير وفسادا في إدارة مشاريع وصفقات عمومية طوال فترة حكمه للبلاد من 2009 إلى 2019
سلم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز السلطة إلى سلفه وصديقه محمد ولد الشيخ الغزواني، بصفة ديمقراطية, تحسب حسنة لولد عبد العزيز بعد أن جاء إلى السلطة على ظهر دبابة, و تميز الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني كأول عسكري سابق يصل إلى الرئاسة عن طريق صناديق الاقتراع, على عكس من سبقه إلى كرسي الرئاسة قادما من المؤسسة العسكرية, لكن مساعي الرئيس السابق للسيطرة على زعامة حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم بعد 4 أشهر من مغادرته الحكم فجرت أزمة داخل الحزب يقول البعض إنها هي السبب الرئيسي لمتابعة الرجل, في حين يرى البرلمان الموريتاني أنه مؤسسة دستورية مستقلة, رأت من صالح الوطن تشكيل لجنة تحقيق برلمانية خلصت في النهاية إلى إصدار تقرير يدين الرئيس السابق، وهي تهم ينفيها ولد عبد العزيز ويعتبر الملف تصفية حسابات سياسية, هدفها تحطيمه ومنعه من ممارسة السياسة, بينما يرى النظام أن قضية الرجل, قضية برلمانية قضائية لا دخل للسلطة التنفيذية فيها.
وبغض النظر عنما يعتقده هذا الطرف أو ذاك حيال ملف الفساد هذا، فإنه ينطوي ذاتيا على إيجابيات وسلبيات سأحاول استجلاءها من خلال تسليط الضوء على النظرة الإيجابية للقضية في المرحلة الأولى، ثم نعرج على التبيعات السلبية التي من الممكن أن تترتب على ملف الفساد هذا، مهما يكن له من إيجابيات.
أولا: النظرة الإيجابية للقضية
أرى أن تفعيل المؤسسات الدستورية، ومبدأ فصل السلطات ومحاسبة المسؤولين وتحميلهم مسؤولية الإ ختلالات الناجمة عن سوء تسييرهم أمر إيجابي، ويصب في مصلحة الجميع، ويستحق الإشادة والتنويه من طرف الجميع، وهو إنجاز معنوي عظيم يحسب للنظام الحالي برئاسة السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وسيكون له ما بعده إذا ما وصل ملف الفساد إلى نهاية مساره بصفة عادلة تراعي حق المدعي والمدعى عليه على حد السواء.
وسيشكل هذا الإنجاز إذا ما كتب له النجاح، درسا قويا رادعا لكل من ستسول له نفسه مستقبلا أكل المال العام، أو تخيل له أضغاث أحلامه أنه يستطيع التحايل واستغلال النفوذ فيما يوكل إليه من وظائف، هذا بغض النظر عن مستوى المسؤولية، سواء تعلق الأمر بالرئيس أو الوزير أو المدير أو ما دونهم، سيظل شبح ملف الفساد عالقا بأذهان الكل.
عندها ستتوفر الإمكانات المادية الضرورية للبناء، والتي كانت تذهب إلى جيوب المفسدين، ستسود عقلية الاعتماد على النفس وترتفع الإنتاجية، ستشيد المشاريع العملاقة، سيتسنى امتصاص البطالة، سيتسنى إصلاح التعليم، ستتاح إمكانية اختفاء الجريمة واستتباب الأمن، لأن سلوك القوالب من صحة وسلامة القلوب، سيكون من السهل توفير خدمات صحية جيدة، سيكون من المعقول الحديث عن نهضة معمارية، سيكون من الوارد الحديث عن الديمقراطية وبناء دولة القانون، دولة العدالة والمساواة..
ثانيا: التبيعات السلبية
سيكون من التبيعات السلبية لا محالة، تولد هاجس خوف من المتابعة عند الرؤساء والمسؤولين، مما يدفعهم للتشبث بالسلطة هروبا من سوط العدالة مستقبلا، الشيء الذي يؤدي بدوره إلى تقويض الديمقراطية، وضعف ثقة الشركاء في التنمية، وتراجع مستوى الاستثمار، والنزول بالتالي إلى مستنقع تردي الخدمة العامة، وانتشار الفقر، وهو لعمري الباب الواسع لولوج عالم الانحراف والجريمة، ولا شك أنه من سلبيات ملف الفساد أيضا، تبيين مدى هشاشة المؤسسات, ومدى ضعف المقاربات التي طالما تبجح بها المسيرون, فظهور الحقيقة, وإن كان أحسن وأضمن للتأسيس على غير منهار, إلا أنه سيترك لا محالة أثرا سلبيا في أنفس الشركاء, يجعلهم ينظرون في المستقبل بعين الحذر والريبة لكل ما سيقدم لهم من ملفات, مهما تكن قوة مبناه و معناه, بيد أن تصحيح الاختلالات أولى من التستر عليها لئلا يتم البناء على أساس حتمي الانهيار.
يبقى الحل الوحيد للعبور بالبلاد إلى بر الأمان هو الحكم بالعدل ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ۞ صدق الله العظيم.
حفظ الله موريتانيا وشعبها من كل سوء، والهم من يدير شؤونها التوفيق والرشاد، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عالي ولد أعليوت