مقابلة هامة مع الأستاذ عبد القادر ولد احمدناه حول تنمية الواحات في ولاية آدرار

في إطار سلسلة المقابلات التي تعدها وكالة المعدن الإخباري حول واقع التنمية في ولاية آدرار، وسعيا منا إلى إطلاع قرائنا الكرام على كل ما يفيد ويزيد، بتحليل متوازن، ونقاش متبصر، وحرصا منا كذلك على تزويد سكان ولاية آدرار بصفة خاصة بالمعلومة الصحيحة من مصدر موثوق، أجرينا مقابلة هامة وغنية بالمعلومات المفيدة، مع الأستاذ عبد القادر ولد احمدناه، نحاوره ونستجلي من خلاله ما وراء الخبر، في لقاء شامل حول تدخلات مشروع الواحات في ولاية آدرار، أداء رابطات التسيير التشاركي للواحات بصفة عامة، ورابطة التسيير التشاركي لواحة "ترون" بصفة خاصة.

المعدن الإخباري: في البداية نريد أن تقدموا للقراء الأعزاء كلمة تعريفية عن شخصكم الكريم ؟
عبد القادر ولد احمدناه: بادئ ذي بدء أنتهز هذه الفرصة لأشكر موقع المعدن الإخباري، على هذه السانحة، التي أتاحت لي الفرصة لأبين من خلالها بعض الحقائق المغيبة عن الكثيرين، حول التنمية الواحاتية عامة، وعن أداء مشروع الواحات والرابطات الواحاتية.
بكل تواضع: عبد القادر ولد احمدناه، 59 سنة، من أسرة تنحدر من واد ترون، ولها امتدادها في واد تيارت، من هنا جاء اهتمامي بهاتين الواحتين، وبالأخص واحة ترون التي كانت مضرب المثل في كثافة نخيلها، إلى حد لا تُرى أشعة الشمس من خلاله، ويكفيك أن تعرف أن يوما كاملا قد لا يكفي لجني ثمار النخلة الواحدة. وكان هذا فعلا قبل موجة الجفاف التي اجتاحت المنطقة، وكان لهذا الوادي نصيب الأسد منها.

المعدن الإخباري: بدأ مشروع الواحات تدخلاته في ولاية آدرار منذ عشرات السنين، ما هو تقييمكم لتدخلات هذا المشروع الذي حظي بتمويل هائل من شركائنا في التنمية ؟
عبد القادر ولد احمدناه: كما هو معلوم، بدأ "مشروع التنمية المندمجة للواحات PDDO"، مطلع 2005 ليتم انتهاء مرحلته الأولى سنة 2014، وفي بداية سنة 2021 بدأت النسخة الحالية من هذا المشروع، بعد أن أصبح يعرف باسم "مشروع ترقية وتنمية الواحات PPDO"، والذي حصل على تمويل كويتي بقيمة 10 مليون دولار، ويتوقع أ ن يتحول هذا المشروع إلى وكالة لتنمية الواحات.
 أما عن تقييم  أداء هذا المشروع، في مختلف مراحله، فهو أمر يحتاج وقتا وجهدا كبيرا، كما أنه يخرج عن اهتماماتي المحصورة في أداء هذا المشروع على مستوى ولاية آدرار، وبالأخص واحتي ترون وتيارت.
ومما لاشك فيه أن هذا المشروع في مرحلتيه السابقتين، قد قدم الكثير للواحات على مستوى ولاية آدرار، حيث أشرف على إنشاء الرابطات الواحاتية على مستوى كل واحة، كما قام بالعديد من التكوينات لصالح مسيري هذه الرابطات التي تعتبر وسيطا بين هذا المشروع وساكنة الواحات، كما قام أيضا بدور لا يستهان به في مجال الارشاد الزراعي، وخلال عقد من الزمن، قام بالكثير من الاستثمارات في البنى التحتية الزراعية من سدود وحواجز وحفر الآبار وتعميقها وتوزيع المدخلات والآلات الزراعية، واستصلاح مساحات جديدة لولوج الفئات الهشة للملكية العقارية، ناهيك عن الدعم الفني، ومن جهة أخرى كان لهذا المشروع دور كبير في تمويل المشاريع الصغيرة المدرة للدخل، عبر "تعاضديات القرض الواحاتي MICO "، والتي كان يتوقع أن تسهم في الرفع من المستوى المعيشي لبعض الأسر الواحاتية، وهذه كلها جهود تذكر فتشكر.

المعدن الإخباري: تتم تدخلات المشروع من خلال رابطات التسيير التشاركي للواحات، ما هو تقييمكم لأداء هذه الرابطات ؟
عبد القادر ولد احمدناه:  لكي أكون منصفا وموضوعيا في تقييمي، سأركز على نموذجين من هذه الرابطات، وهما رابطتي: تيارت، وترون الزيره. فمقارنة أداء هاتين الرابطين بالمبالغ الضخمة التي تم استثمارها من طرف هذا المشروع سنرى أن تأثيرها كان محدودا جدا، ونسبيا، ويرجع ذلك إلى التقصير الكبير من طرف رؤساء هذه الرابطات الواحاتية التي تعتبر وسيطا بين المزارعين الواحاتيين وهذا المشروع، فهذه الرابطات بقيت مقصرة في الدور المنوط بها، كما أنها أخلت بالتزاماتها القانونية والمؤسسية اتجاه منتسبيها من المزارعين، حيث بقيت العلاقة بين الاثنين خاضعة للكثير من المعايير غير الموضوعية، من زبونية ومحسوبية، وغيرها، حتى أصبحت هذه الرابطات مجرد تراخيص في جيوب رؤساء يتم انتخابهم صوريا، حتى أن غالبية هذه الرابطات والتعاضديات، لم تقم بتجديد مكاتبها منذ إنشائها، في خرق سافر للنصوص القانونية المنشئة للرابطات، وخاصة القانون 98.016 الصادر بتاريخ 19 يوليو 1998 والمتعلق بالتسيير التشاركي للواحات، فكيف لنا أن نقيم أداء رابطة واحاتية، يجهلها سكان الواد، ولا يعرفون أي شيء عن دورها ؟ بل إنهم يجمعون على أنها رابطة شخصية يحتكرها الرئيس ومن يدور في فلكه.
ومن هنا، ربما جاءت مبادرة المشروع الرامية إلى تصحيح هذه الوضعية عبر إعادة انتخاب المكاتب التنفيذية لهذه الرابطات التي تعتبر حجر الزاوية في كل النشاطات الواحاتية، ونرجو أن يكون هناك إشرافا مباشرا من قبل السلطات الإدارية والجهات الوصية، حتى نشهد انتخابات شفافة تمثل المزارعين الواحاتيين، حتى يكون هناك إشراكا حقيقيا لساكنة الواحات، بدلا من التمثيل الصوري الذي عودنا عليه رؤساء هذه الرابطات.

المعدن الإخباري: في نظركم، ما معنى تجديد مكاتب الرابطات في الوقت الراهن، رغم أن معظم هذه المكاتب لم تنته مأموريته بعد ؟
عبد القادر ولد احمدناه:  شكرا على السؤال المحوري، كما أسلفت، هناك اختلالات بنيوية في تشكيل هذه الرابطات، فلم يلتزم أصحابها بالقوانين المنظمة لها، فهي بدون مقرات، أو بمقرات غير مجهزة، ولا تمتلك السجلات الضرورية، ولا تلتزم بالاجتماعات الدورية، وإن حدثت فبدون محاضر لتلك الجلسات، ولا تمتلك مخططا لنشاطاتها، ولا تقارير مالية أو تسييرية ولا رقابة قبلية ولا بعدية، لا داخلية ولا خارجية، وغالبية رؤساء هذه المنظمات غير مكونين، بل إن بعضهم لا يمتلك المستويات التي تخولهم الاستفادة من التكوين الإداري أو الفني أو المهني، مما جعل هذه الرابطات، في أحسن الأحوال، تُسَير تسييرا دكانيا، وحتى إن وجد رئيس رابطة مؤهل للتسيير فإن ما يقوم به لا ينم عن معرفة وخبرة، بل يغلب عليه سوء التسيير.
أعود فأقول إن هذه الوضعية القائمة منذ إنشاء هذه الرابطات، جعلتها مشلولة وقلصت من أدائها، وكان على المشروع أن يتدخل للضغط من أجل تفعيل القوانين المنظمة للرابطات والتعاضديات، وتطبيق مقتضيات أنظمتها الأساسية والداخلية، حتى يتسنى للمزارعين الواحاتيين الولوج لخدمات هذا المشروع بصورة شفافة، وهو ما نرجو أن يتم خلال هذه الفترة.

المعدن الإخباري: سبق وأن أرسلتم لنا مقالا تطرقتم فيه لتقييم أداء رابطة التسيير التشاركي لترون، هل من الممكن التذكير بأهم ما جاء في هذا المقال ؟
عبد القادر ولد احمدناه:  يتنزل ذلك المقال في إطار إلقاء ضوء، ولو خافت، على أداء ربع قرن من التسيير الآحادي لهذه الرابطة، التي غيبت هذه الواحة، وأخرتها عن ركب التنمية، رقم ما تملكه من مقدرات ذاتية، فيكفينا أن نعرف أن أغلبية الاستصلاحات الزراعية في هذه الواحة تم بفضل الله وبجهود ذاتية من أسرتي أهل عبد الله وأهل محم، وغيرهم من موسري هذا الوادي، كل هذا في غياب تام لهذه الرابطة التي أصبح يرتبط اسمها باسم رئيسها، كما لو كانت ملكا شخصيا لهذا الرئيس، والشيء نفسه ينطبق على غالبية التعاضديات والرابطات، حتى لا نقول  كلها، وهو ما يتطلب منا أن نوضح لجميع المزارعين الواحاتيين، بل كل ساكنة هذه الأودية، أنهم مصدر سلطة هذه الرابطات، وأنها منهم وإليهم، وهي ملك لهم، ينتخبون، بكل شفافية ونزاهة، من يروضن دينه وخلقه، ليتولى باسمهم ولمصلحتهم تسيير هذه المنشأة، بما يخدم مصلحة الجميع، وهو ليس بمنأى عن أي مسائلة قانونية وقضائية، عن أي خلل أو اختلال في تسيير هذه الرابطة ذات الشخصية القانونية المستقلة عن من يسيرها، لمدة مأموريتين، على الأكثر، لا أن يكون رئيسا مدى الحياة، في إخلال واضح بمبدأ التناوب على تسيير الشأن العام.
وهنا نطالب بإقامة انتخابات تعتمد على إحصاءات جديدة ومحينة لمنتسبي كل رابطة، وأن يتم نشر لوائح المنتسبين في مقرات تلك الرابطات، إن وجدت، أو في مباني أقرب بلدية، فاللائحة الانتخابية هي حجر الزاوية في كل هذه العملية، كما أن حضور ومراقبة السلطات المحلية الإدارية والأمنية والبلدية، وكذا الجهات الوصية، لعملية تجديد انتخاب مكتب تنفيذي جديد، يعتبر أمرا لا غنى عنه، كما يشكل ضمانا لشفافية هذه العملية.

نقطة أخيرة ومهمة للغاية، ألا وهي نشر تقرير مالي مفصل عن المأمورية الأخيرة للمكتب التنفيذي المنتهية ولايته، حتى تكون هناك قطيعة مع المراحل السابقة التي اتسمت بالتسيير الأحادي للرابطة، في غياب أي رقابة من أي نوع.

المعدن الإخباري: هل بإمكانكم وصف الواقع التنموي لواحة ترون ؟
عبد القادر ولد احمدناه:  واقع ترون واقع لا تحسد عليه، فهي تعاني العطش منذ عقود من الزمن، وهي تفتقر إلى أبسط المقومات، فهي بدون منشآت صحية، وبدون سوق، ولا حتى مجزرة، مما جعلها عالة على المدينة "الدشره" تماما كما كانت منذ  السبعينيات، ناهيك عن انعدام أي نشاط مدر للدخل، رغم ما يزعم من تمويلات من طرف هذه الرابطة، فلماذا لا يتم تمويل مشاريع صغيرة تساهم في الحد من الفقر وتنمية هذه الواحة ـ القرية ؟

المعدن الإخباري: ما هي الحلول التي تقترحونها لتنمية واحة ترون ؟ وواحات آدرار بصفة عامة ؟
عبد القادر ولد احمدناه:  نحن نرى أنه لا يمكن وجود تنمية حقيقية ومندمجة، دون إشراك فعلي وحقيقي للساكنة عبر حملة توعية وتحسيس حول ماهية الرابطات ودورها، وضرورة انتخاب مكتب من المزارعين المحليين المقيمين في الواحة، فهم من يعيش المشاكل الحقيقية للساكنة، ويتقاسم معها آلامها وآمالها، وكما يقول المثل الشعبي "اللي ماه ماش امعاك لا اعلكلك"، وهذه الشروط نرى أنها مفقودة في رابطي ترون وتيارت، وإن بتفاوت.
لا يمكن جمع الرابطات والتعاضديات الآدرارية في سلة واحدة، وإن كانت هناك مشاكل مشتركة مثل تغييب الساكنة عن نشاطات الرابطات، لحاجة في نفس يعقوب، واستغلالها من قبل أقلية لتحقيق مصالح ومآرب شخصية، وهذا ما انتبه إليه، ولو متأخرا، هذا المشروع، فقام بالدعوة إلى تجديد مكاتب هذه الرابطات على أسس جديدة.
وبهذه المناسبة فإننا نقترح إنشاء جائزة سنوية لأفضل تسيير للرابطات، طبقا لمعايير شفافة ومعروفة مسبقا، حتى يكون هناك تنافس إيجابي بين مختلف هذه الرابطات.

المعدن الإخباري: هل من كلمة أخيرة ؟
عبد القادر ولد احمدناه: أرى أننا دخلنا في مرحلة جديدة وحاسمة في تاريخ تنمية هذه الواحات، فنحن أمام خيارين، لا ثالث لهما: إما أن نسعى إلى تغيير جذري يجعل من هذه الرابطات والتعاضديات، أدوات تنمية  اقتصادية واجتماعية حقيقية، وحلقة وصل بين كل الفاعلين والمتدخلين التنمويين وبين المزارعين الواحاتيين، حتى يصبحوا فاعلين لا مفعول بهم، ورافعة اقتصادية محلية يحسب لها حساب، ومنافس قوي للمنتجات الواحاتية المستوردة، وإن لم نكسب هذا الرهان فإن مستقبل قطاع النخيل سيكون في خطر.

المعدن الإخباري: شكرا جزيلا