ولد الشيباني يكشف عن تاريخ اكتشاف معدن الحديد في بلادنا

تم اكتشاف كدية الجل مبكرا، فقد أشار لوجودها أول مرة عالم الجغرافيا العربي المسلم، أبو عبيد الله البكري في القرن الحادي عشر ميلادي في مؤلفه "وصف إفريقيا الشمالية"، وتعود تسميتها بالجل وهي نبتة تشتهر بها المنطقة، ذات جودة عالية في تغذية سفينة الصحراء.

كما ورد ذكرها في تقارير إرساليات المستكشفين والقادة العسكريين من المستعمرين الفرنسيين في مطلع القرن العشرين، ثم تزايد الاهتمام بها بعد الحرب العالمية الثانية وبدأت الدراسات الجدوائية لاستغلال مناجم الحديد بها في نهاية الحقبة الاستعمارية الفرنسية لبلادنا: لينطلق استغلالها في بداية الخمسينيات من طرف شركة دولية تدعى MIFERMA أو Mines de fer de Mauritanie: شركة معادن حديد موريتانيا، وهي كونسورتيوم رؤوس أموال غربية مؤلف من جهات متعددة حيث ساهمت فيه ثلاث شركات فرنسية، وثلاث شركات بريطانية، وشركة كندية، وشركة إطالية، وأخرى ألمانية، ويرتكز الاستثمار على الأسرة اليهودية المعروفة روتشيلد التي كانت تمتلك 25% من رؤوس الأموال.

تأسست ميفرما 16 فبراير 1952 لاستغلال مناجم كدية الجيل وكان أول مدير لها هو المهندس الفرنسي AUDIBERT والذي كان موظف سابق في مجموعة روتشيلد الفرنسية.

وكانت عملية دنيئة يصدق عليها وصف النهب الدولي الممنهج المبارك والممول من طرف البنك الدولي بغلاف مالي وصل إلى 66 مليون دولار أمريكي بتوصية خاصة من البارون النافذ GUY de Rothchild.

 شكلت عملية تمويل MIFERMA في تلك الفترة سابقة من نوعها في تاريخ نمط الاستثمارات العالمية إذ كانت المرة الأولى التي يمول فيها البنك الدولي القطاع الخاص. والأغرب في الأمر أن موريتانيا مالكة الموارد المعدنية لم تكن مساهما في رأس المال وكان ينبغي أن ننتظر حتى عام 1963 لتحصل على تنازل لصالحها عن نسبة ضئيلة من رأس المال في حدود 5% بينما كانت مجموعة روتشيلد تتربع على 20 إلى 25 % وهي الأسرة اليهودية النافذة في مجال المال والاستثمار في الغرب والتي يعرف عنها توجهها الصهيوني؛ إذ كانت على مر تاريخ الاحتلال الإسرائيلي الداعم الرئيسي والممول لبناء المستوطنات. وكانت هذه الشركة تنتج سنويا من 10 إلى 11 مليون طن من خام الحديد الغني وركزت على الجيوب الأسهل استخراجا طوال عشر سنين.

 

 ليتم تأميمها لاحقا 1974 بعد مطالبة ملحة من المعارضة اليسارية يومها، والتي تذرع بها النظام في وقتها، في حركة ذكية؛ لاستبقاء بعض الموارد الوطنية، بعد أن سدد 110 مليون دولار كتعويضات عن الضرر للمساهمين الغربيين. وقد ساهم في تحريك موارد تسديد هذه المبالغ المجحفة، الأشقاء العرب: الكويت بقرض بلغ 40 مليون دولار والعراق والجزائر وليبيا والمملكة العربية السعودية بنسب مختلفة.

لينشأ عصر جديد تدار فيه الموارد وتستغل بأذرع وأدمغة وطنية.

تتكون احتياطيات مناجم الحديد بازويرات من نوعيتين أساسيتين.

النوعيات الغنية نسبة الحديد الطبعية فيها تتجاوز 65% وهي الإيماتيت hématite، وهي تسوق كما هية بعد تكسيرها في منشآت؛ ليمكن شحنها بالقطار من أزويرات إلى نواذيبو، وفي ناقلات المعادن من ميناء نواذيبو المعدني إلى الأسواق العالمية.

النوعيات الفقيرة magnétite نسبة الحديد الطبيعية فيها في حدود 40%، وهذه تتطلب معالجة وتكريرا في مصانع الفصل المغناطيسي بفضل خاصيتها المغناطيسية. النوعية الأولى احتياطياتها خفت، بينما توجد احتياطيات ضخمة من النوعية الثانية.

تمتلك أسنيم ثلاث منشآت لمعالجة النوعية الغنية، ومصنعين لمعالجة الثانية، مع منشآت الشحن في نواذيبو، بالإضافة إلى سكة قطار معدني بطول 700 كلم، وعدة قطارات تعد الأضخم في العالم.

لكن التحدي الذي يواجه أسنيم حالا هو أن مساهمتها في تغذية سوق الحديد العالمي أضحت محصورة في نسبة 1% بعدما انتشر التعدين الخاص بالحديد في العالم، ولم تنجح بعد في رفع سقف إنتاجها الذي لم يتجاوز حاجز 12 مليون طن سنويا.

المهندس/ أحمد فال ولد الشيباني